عندما تفكر في شركة أبل، قد تتبادر إلى ذهنك صور ستيف جوبز على خشبة المسرح، أو التصميم الأنيق لجهاز آيفون، أو ربما قيمتها السوقية التي تتجاوز 3 تريليونات دولار. لكن، خلف هذه الواجهة اللامعة تكمن استراتيجية عبقرية وصامتة، كانت هي المحرك الحقيقي لنمو الشركة وتحولها إلى ما هي عليه اليوم. هذه الاستراتيجية لا تتعلق بابتكار المنتجات من الصفر فحسب، بل بشراء العقول والتقنيات التي تحتاجها. في الواقع، تمتلك أبل اليوم ما يقارب 125 شركة، قامت بدمجها بهدوء داخل منتجاتها لتصنع تجربة المستخدم التي نعرفها ونحبها.
إن قصة استحواذات أبل ليست مجرد قائمة من الصفقات التجارية؛ بل هي خريطة طريق توضح تطور الشركة من صانع حواسب في الثمانينيات إلى إمبراطورية تسيطر على عالم الأجهزة المحمولة والخدمات.
الصفقة التي أعادت الروح: شراء NeXT لم يكن مجرد استحواذ
لعل أهم صفقة في تاريخ أبل لم تكن الأكبر من حيث القيمة، ولكنها كانت الأعمق من حيث الأثر. في عام 1996، كانت أبل على وشك الانهيار، تفتقر إلى رؤية واضحة ونظام تشغيل حديث. في المقابل، كان مؤسسها المنفي، ستيف جوبز، يدير شركة NeXT التي طورت نظام تشغيل متقدمًا.
لم تكن صفقة شراء NeXT مقابل 400 مليون دولار مجرد عملية استحواذ على تقنية. بل كانت خطة ذكية لإعادة ستيف جوبز نفسه إلى الشركة التي أسسها. نتيجة لذلك، حصلت أبل ليس فقط على نظام تشغيل أصبح لاحقًا أساسًا لأنظمة macOS وiOS، بل استعادت “روحها” وقائدها الملهم الذي سيقودها نحو المجد. هذه الصفقة تحديدًا هي الدليل الأوضح على أن استحواذات أبل كانت دائمًا تدور حول الرؤية المستقبلية أكثر من الأرباح الفورية.
بناء إمبراطورية الآيفون: قطعة بقطعة
هل تساءلت يومًا كيف أصبح الآيفون بهذه القوة والكفاءة؟ الجواب يكمن في سلسلة من عمليات الشراء الدقيقة التي استهدفت مكونات الجهاز الأساسية:
- العقل المدبر (المعالجات): في 2008، استحوذت أبل على شركة P.A. Semi (مقابل 278 مليون دولار)، وهي شركة صغيرة متخصصة في تصميم معالجات منخفضة استهلاك الطاقة. كانت هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب صامت، حيث مكنت أبل من التخلي تدريجيًا عن معالجات الشركات الأخرى وتصميم شرائح A-series الخاصة بها، مما منحها تفوقًا هائلاً في الأداء والكفاءة.
- الأمان بين يديك (البصمة): تقنية Touch ID التي غيرت طريقة حمايتنا لهواتفنا لم تكن من اختراع أبل بالكامل. في عام 2012، اشترت أبل شركة AuthenTec (مقابل 356 مليون دولار)، الرائدة في مجال مستشعرات بصمات الأصابع، وقامت بدمج تقنيتها مباشرة في الآيفون.
- وجهك هو كلمة السر (بصمة الوجه): وبالمثل، جاءت تقنية Face ID الثورية من رحم شركة PrimeSense الإسرائيلية (تم شراؤها في 2013 مقابل 360 مليون دولار)، والتي كانت متخصصة في تقنيات الاستشعار ثلاثي الأبعاد.
- السيطرة على الاتصال (المودم): بعد سنوات من الاعتماد على شركات أخرى (ونزاع شهير مع كوالكوم)، قررت أبل السيطرة على أهم جزء في الاتصال. في 2019، قامت بواحدة من أضخم صفقاتها عبر شراء قطاع مودم الهواتف الذكية من شركة إنتل (مقابل مليار دولار)، لتبدأ رحلة تصميم شرائح 5G الخاصة بها.
هذه الصفقات تظهر نمطًا واضحًا: أبل لا تشتري منافسين، بل تشتري “مكونات” و”مواهب” لتبني منتجًا لا يمكن لأحد تقليده.
ما بعد الأجهزة: غزو عالم الخدمات والموسيقى
مع وصول سوق الهواتف إلى مرحلة النضج، أدركت أبل أن المستقبل يكمن في الخدمات. وهنا، لعبت استحواذات أبل دورًا محوريًا مرة أخرى:
- Beats Electronics (2014): كانت أكبر صفقة في تاريخ الشركة بقيمة 3 مليارات دولار. لم تشترِ أبل سماعات الرأس الشهيرة فحسب، بل الأهم من ذلك، حصلت على خدمة البث الموسيقي الناشئة Beats Music. بعد عام واحد فقط، تحولت هذه الخدمة إلى Apple Music، التي أصبحت اليوم أحد أكبر المنافسين لسبوتيفاي.
- Shazam (2017): مقابل 400 مليون دولار، لم تحصل أبل على تطبيق التعرف على الموسيقى الشهير فقط. بل استحوذت على كنز من بيانات التعرف على الصوت وتقنية الذكاء الاصطناعي التي تم دمجها بعمق في Siri وApple Music.
- Texture (2018): هذه المنصة الرقمية التي كانت تُعرف بـ “نيتفليكس المجلات” تم شراؤها (مقابل 485 مليون دولار) لتصبح حجر الأساس لخدمة Apple News+، موسعة بذلك بصمة أبل في عالم المحتوى الرقمي.
استراتيجية الصفقات الصامتة هي سر العبقرية
على عكس شركات مثل فيسبوك (التي اشترت إنستغرام وواتساب) أو مايكروسوفت (التي اشترت أكتيفيجن)، لا تسعى أبل لشراء منافسيها أو حصصهم السوقية. استراتيجيتها أكثر دهاءً وعمقًا؛ فهي تشتري شركات صغيرة ومجهولة تمتلك تقنية ثورية أو فريقًا من المهندسين العباقرة، ثم تذيبها بالكامل داخل نظامها البيئي.
الهدف ليس امتلاك علامة تجارية أخرى، بل امتلاك “المستقبل” نفسه. صرح تيم كوك، الرئيس التنفيذي، بأن أبل تشتري شركة كل ثلاثة أو أربعة أسابيع تقريبًا. هذا النهج يمنحها مرونة هائلة ويجعل من الصعب على المنافسين التنبؤ بخطوتها التالية. إنها لعبة شطرنج طويلة الأمد، واستحواذات أبل هي الجنود المجهولون الذين يضمنون الفوز في كل مرة.
جدول استحواذات شركة أبل (قائمة شاملة):
| سنة الاستحواذ | الشركة المستحوذ عليها (Company) | مجال العمل والتخصص (Industry/Technology) | قيمة الصفقة التقريبية (Deal Value) | الأثر المحتمل أو المنتج الذي تأثر |
| 2024 | DarwinAI | تقنيات الذكاء الاصطناعي لفحص المكونات | لم يُكشف عنه | تحسين كفاءة سلاسل التوريد والذكاء الاصطناعي في الأجهزة |
| 2023 | BIS Records | شركة تسجيلات للموسيقى الكلاسيكية | لم يُكشف عنه | تعزيز مكتبة وتجربة Apple Music Classical |
| 2023 | Mira | شركة ناشئة للواقع المعزز (AR) | لم يُكشف عنه | تطوير نظارة Apple Vision Pro وتطبيقاتها |
| 2022 | Credit Kudos | تقنية بنكية مفتوحة لتقييم الائتمان | حوالي 150 مليون دولار | دعم خدمات Apple Card و Apple Pay |
| 2022 | AI Music | ذكاء اصطناعي لتوليد موسيقى ديناميكية | لم يُكشف عنه | تحسين تجربة الصوت في Apple Music و Fitness+ |
| 2021 | Primephonic | خدمة بث متخصصة في الموسيقى الكلاسيكية | لم يُكشف عنه |
إطلاق خدمة Apple Music Classical
|
| 2020 | Vilynx | ذكاء اصطناعي لتحليل وفهم محتوى الفيديو | حوالي 50 مليون دولار | تحسين البحث والتصنيف في تطبيقات الصور و Apple TV |
| 2020 | Mobeewave | تقنية الدفع عبر NFC من هاتف لهاتف | حوالي 100 مليون دولار | إطلاق ميزة “Tap to Pay” على الآيفون |
| 2020 | NextVR | بث الأحداث الحية بتقنية الواقع الافتراضي (VR) | حوالي 100 مليون دولار | تطوير محتوى الواقع الافتراضي والمعزز لـ Vision Pro |
| 2020 | Dark Sky | تطبيق دقيق لتوقعات الطقس | لم يُكشف عنه (تقديرات بين 35-50 مليون دولار) | دمج ميزاته في تطبيق الطقس الأساسي في iOS |
| 2019 | Intel (Smartphone Modem Business) | قطاع المودم الخاص بالهواتف الذكية | 1 مليار دولار | خطوة استراتيجية لتصميم شرائح مودم 5G خاصة بأبل |
| 2019 | Drive.ai | تقنيات ومركبات ذاتية القيادة | لم يُكشف عنه (تقديرات تشير لصفقة لضم المواهب) | دعم “مشروع تايتان” السري لسيارات أبل |
| 2018 | Dialog Semiconductor (جزء من الشركة) | تقنيات إدارة الطاقة في الشرائح الإلكترونية | 600 مليون دولار (300 مليون نقدًا و300 مليون كالتزامات شراء) | تصميم شرائح داخلية أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة |
| 2018 | Asaii | منصة تحليلات للموسيقى واكتشاف المواهب | أقل من 100 مليون دولار | تحسين خوارزميات الاقتراح في Apple Music |
| 2018 | Spektral | تقنية فصل الخلفيات في الصور والفيديو | حوالي 30 مليون دولار | تحسين نمط “البورتريه” وتأثيرات الكاميرا |
| 2018 | Shazam | تطبيق التعرف على الموسيقى والأصوات | حوالي 400 مليون دولار | دمج التقنية في Siri ونظام iOS |
| 2018 | Texture | خدمة اشتراك في المجلات الرقمية | حوالي 485 مليون دولار (مع الديون) | تحويلها إلى خدمة Apple News+ |
| 2017 | InVisage Technologies | مستشعرات كاميرا QuantumFilm | لم يُكشف عنه | تحسين جودة الصور في كاميرات الآيفون |
| 2017 | Vrvana | شركة ناشئة لخوذات الواقع المعزز (AR) | حوالي 30 مليون دولار | تطوير الأجهزة المستقبلية مثل Vision Pro |
| 2017 | Beddit | أجهزة تتبع وتحليل النوم | لم يُكشف عنه (تقديرات بملايين قليلة) | دمج التقنية في ساعة أبل (Apple Watch) |
| 2016 | Turi | منصة للتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي | حوالي 200 مليون دولار | تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في منتجات أبل |
| 2015 | Emotient | ذكاء اصطناعي للتعرف على تعابير الوجه | لم يُكشف عنه | تطوير تقنيات فهم الصور والعواطف |
| 2015 | Faceshift | تقنية التقاط حركة الوجه في الوقت الفعلي | لم يُكشف عنه | تطوير ميزة Animoji و Memoji |
| 2014 | Beats Electronics | سماعات ومكبرات صوت وخدمة بث موسيقي | 3 مليار دولار (2.6 مليار نقدًا و400 مليون أسهم) | أكبر صفقة لأبل، إطلاق Apple Music وتوسيع خط الأجهزة الصوتية |
| 2013 | PrimeSense | تقنيات الاستشعار ثلاثي الأبعاد (3D Sensing) | حوالي 360 مليون دولار | التقنية الأساسية خلف نظام بصمة الوجه (Face ID) |
| 2013 | Topsy | شركة تحليلات لبيانات تويتر | حوالي 200 مليون دولار | تحسين البحث والاتجاهات في App Store وخدمات أخرى |
| 2012 | AuthenTec | مستشعرات بصمة الإصبع والأمان | 356 مليون دولار | التقنية الأساسية خلف نظام بصمة الإصبع (Touch ID) |
| 2011 | Anobit | تقنيات وحدات التخزين (Flash Memory) | حوالي 390 مليون دولار | تحسين أداء وسرعة ذاكرة التخزين في أجهزة أبل |
| 2010 | Siri Inc. | شركة ناشئة للمساعد الرقمي الذكي | حوالي 200 مليون دولار | إطلاق المساعد الصوتي Siri في الآيفون |
| 2010 | Polar Rose | تقنية التعرف على الوجوه | حوالي 29 مليون دولار | تحسين تطبيق الصور (Photos) |
| 2009 | Lala | خدمة بث موسيقي عبر الويب | حوالي 80 مليون دولار | بناء الأساس لخدمات iTunes in the Cloud |
| 2008 | P.A. Semi | تصميم معالجات منخفضة استهلاك الطاقة | 278 مليون دولار | بداية تصميم معالجات A-series الخاصة بأبل |
| 2002 | Nothing Real | برمجيات مؤثرات بصرية متقدمة (Shake) | 15 مليون دولار | تطوير برامج المونتاج والمؤثرات مثل Final Cut Pro |
| 1997 | Power Computing Corp (أصول محددة) | شركة تصنيع أجهزة متوافقة مع ماك | 100 مليون دولار في أسهم أبل | إنهاء عصر استنساخ أجهزة الماك |
| 1997 | NeXT | نظام تشغيل ومنصة برمجيات | 429 مليون دولار نقدًا و 1.5 مليون سهم من أبل | أهم صفقة استراتيجية أعادت ستيف جوبز وأسست لنظامي macOS و iOS |
1. ما هي أكبر عملية استحواذ قامت بها شركة أبل حتى الآن؟
أكبر صفقة كانت استحواذها على شركة Beats Electronics في عام 2014 مقابل 3 مليارات دولار. والتي شملت سماعات الرأس الشهيرة وخدمة بث الموسيقى التي أصبحت أساس Apple Music.
2. كم عدد الشركات التي تمتلكها أبل تقريبًا؟
تمتلك أبل حوالي 125 شركة تقنية. معظمها شركات صغيرة ومتوسطة تم دمج تقنياتها ومواهبها مباشرة في منتجات وخدمات أبل بدلاً من العمل ككيانات مستقلة.
3. لماذا كانت صفقة شراء شركة NeXT مهمة جدًا لأبل؟
لأنها لم تكن مجرد صفقة تقنية، بل كانت الوسيلة التي عاد بها المؤسس ستيف جوبز إلى قيادة الشركة في عام 1997. كما أن نظام تشغيل NeXT أصبح النواة التي بنيت عليها أنظمة macOS وiOS الحديثة.
4. ما هو الهدف الرئيسي من استراتيجية استحواذات أبل؟
الهدف الرئيسي هو شراء تقنيات مبتكرة ومواهب هندسية فريدة ودمجها مباشرة في منتجاتها الأساسية مثل الآيفون والماك، بدلاً من شراء المنافسين. هذا يمنحها تفوقًا تقنيًا وسيطرة كاملة على تجربة المستخدم.
