كشف فريق من علماء الفيزياء في الولايات المتحدة وإسبانيا والصين عن فرضية علمية جديدة تفترض أن الكون قد ينهار على نفسه يومًا ما في “انفجار عكسي” (Big Crunch) خلال أقل من 20 مليار سنة من الآن.
وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة Journal of Cosmology and Astroparticle Physics، فإن تمدد الكون الذي بدأ مع “الانفجار العظيم” سيتباطأ تدريجيًا حتى يتوقف، ثم يبدأ بالانكماش بفعل الجاذبية.
كيف توصل العلماء إلى هذه الفكرة؟
يقول الفيزيائي هنري تاي من جامعة كورنيل إن الفرضية تستند إلى بيانات حديثة تُظهر أن الطاقة المظلمة — التي تدفع الكون إلى التمدد — قد تكون في تراجع، وليست ثابتة كما اعتقد العلماء لعقود. وإذا كانت الطاقة المظلمة تتناقص فعلًا، فإن قوة الجاذبية ستبدأ في الهيمنة تدريجيًا، مؤديةً إلى توقف التمدد وبدء الانكماش الكوني.
دور الثابت الكوني والأكسيونات
تستند الفرضية إلى فكرة “الثابت الكوني” الذي طرحه ألبرت أينشتاين في نظريته للنسبية العامة. عندما يكون هذا الثابت موجبًا، يستمر الكون في التمدد، أما إذا كان سالبًا، فإنه يعمل كقوة جذب خفية تُبطئ التمدد وتعيد الكون نحو نقطة البداية.
ويفترض الباحثون أن الطاقة المظلمة تنتج عن جسيمات دقيقة تُسمى الأكسيونات (Axions)، وهي جسيمات افتراضية خفيفة للغاية، تؤدي دور “المحرّك” في تمدد الكون في البداية، لكنها تضعف مع مرور الوقت حتى تتغلب عليها الجاذبية.
تشبيه مبسط
شبّه العلماء هذه العملية بركوب دراجة تصعد تلاً بريح خلفية تهدأ تدريجيًا، فتتباطأ الحركة إلى أن تتوقف عند القمة، ثم تبدأ في النزول بسرعة — أي أن الكون سيصل إلى “ذروة تمدده”، ثم يبدأ رحلة العودة نحو الانكماش.
ما الذي سيحدث في النهاية؟
وفق الحسابات، ستكون مرحلة الانهيار أسرع من التمدد، إذ تتسارع الجاذبية كلما زادت الكثافة، إلى أن يعود الكون بأكمله — المجرات والنجوم والكواكب — إلى نقطة واحدة فائقة الحرارة والكثافة، تشبه حالة “ما قبل الانفجار العظيم”. إنه انعكاس زمني كامل، وكأن الكون يعيد نفسه من البداية إلى النهاية.
جدل علمي وفلسفي
رغم أن الفرضية تثير فضول العلماء، إلا أن الدليل التجريبي ما زال غير حاسم. فحتى الآن، تشير معظم الملاحظات الفلكية إلى أن الكون يتوسع بوتيرة متزايدة، وليس متناقصة. لكن لو ثبت أن الطاقة المظلمة تتراجع فعلًا، فسيعيد ذلك كتابة كتب الفيزياء، ويفتح الباب أمام مفهوم الكون الدوري، الذي يعيش حلقات متكررة من الانفجار والانهيار.
هل نحن في منتصف الطريق؟
بحسب النموذج، نحن نعيش الآن في منتصف عمر الكون تقريبًا — بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار العظيم، ومع نحو 20 مليار سنة تفصلنا عن الانفجار العكسي المحتمل. أي أن مصير الكون لا يمس البشرية بشكل مباشر، لكنه يوسّع فهمنا لجوهر الوجود: هل الكون مفتوح بلا نهاية؟ أم مغلق يدور في دورة أبدية من البداية والنهاية؟