في تطوّر مذهل يجمع بين الفيزياء والذكاء الهندسي، كشف باحثون من جامعة فيرجينيا الأمريكية عن تقنية HydroSpread — وهي طريقة فريدة لبناء روبوتات ناعمة تمشي على سطح الماء كما تفعل بعض الحشرات الدقيقة.
تعتمد الفكرة على تحويل سطح الماء نفسه إلى منصة تصنيع تُبنى فوقها أفلام بوليمر مرنة ودقيقة، ثم تُقطع بالليزر لتتحول إلى روبوتات قادرة على الحركة فوق الماء، بخفة ومرونة تحاكي الكائنات الحية.
ما هي تقنية HydroSpread؟ وكيف تعمل؟
تقنية HydroSpread تمثل نقلة نوعية في مجال “الروبوتات اللينة” (Soft Robotics).
فبدلاً من تصنيع أجزاء الروبوت على سطح صلب ثم نقلها إلى الماء (وهو أمر معقد ويسبّب تلفاً للأفلام الرقيقة)، يقوم الباحثون بتصنيع هذه الأجزاء مباشرة فوق سطح الماء.
يُسقط العلماء قطرة من الحبر البوليمري السائل على سطح الماء، فتنتشر تلقائيًا إلى طبقة رقيقة متجانسة.
ثم يُستخدم الليزر لقصّ هذه الطبقة بدقة عالية وفق التصميم المطلوب، لتتكوّن منها مكوّنات روبوتية مرنة تتحرك بفعل التسخين أو الاهتزازات أو الضوء.
هذا النهج الجديد يقلّل الأخطاء التصنيعية بنسبة تقارب 40% مقارنة بالطرق التقليدية، ويسمح بإنشاء هياكل أنحف من 50 ميكرون — أي أرق من شعرة الإنسان!
روبوتات تمشي وتجدّف على الماء
طوّر الفريق نوعين من النماذج الأولية باستخدام هذه التقنية:
النموذج | طريقة الحركة | مصدر الإلهام |
---|---|---|
HydroFlexor | يعتمد على التجديف فوق الماء باستخدام زعانف مرنة | مستوحى من حركة الأسماك الصغيرة |
HydroBuckler | يتحرك بالمشي عبر أرجل تنثني وتندفع إلى الأمام | مستوحى من حشرة “عابرة الماء” |
في التجارب المخبرية، استطاعت هذه الروبوتات التحرك لمسافة 15 سم في ثوانٍ معدودة، دون أي أسلاك أو محركات كهربائية، فقط من خلال التحفيز الحراري من الأشعة تحت الحمراء.
ويُعتقد أن الجيل القادم منها سيتمكن من التحرك عبر الطاقة الشمسية أو الحقول المغناطيسية.
ماأهمية هذه التقنية؟
- تصنيع مباشر على الماء: لأول مرة يصبح الماء نفسه “ورشة بناء” دقيقة وآمنة للمواد اللينة.
- كفاءة ومرونة أعلى: لا حاجة لنقل الطبقات الحساسة أو تجميع معقد.
- إمكانيات بيئية واسعة: يمكن لهذه الروبوتات الصغيرة مراقبة جودة المياه، والتلوث، ومستويات الأكسجين في البحيرات والأنهار.
- إلهام من الطبيعة: تستخدم الطبيعة دائمًا أقل طاقة لتحقيق أكبر تأثير، وهو ما تحاكيه هذه الروبوتات بدقة.
- آفاق طبية مستقبلية: في المستقبل، قد نرى نسخًا مجهرية منها تتحرك داخل الجسم لنقل الدواء إلى مكان محدد بدقة.
العلماء والمجتمع العلمي
قال البروفيسور جيفري ماكليش، أحد المشاركين في المشروع:
“نحن نحاول أن نجعل الروبوتات تتصرف ككائنات حيّة أكثر مما هي آلات، وأن تتفاعل مع البيئة بدلاً من أن تفرض سيطرتها عليها.”
بينما علّقت مجلة Scientific American بأن HydroSpread “تفتح فصلاً جديداً في تصميم الروبوتات القادرة على العيش والتكيّف في البيئات السائلة”.
وقد حصد المشروع اهتمامًا واسعًا في الأوساط البحثية، إذ يُنظر إليه كخطوة نحو روبوتات شبه حية قادرة على التعاون البيئي بدلًا من استهلاك الطاقة المفرط.
التحديات أمام HydroSpread
رغم النجاح المبدئي، لا تزال هناك عقبات مثل:
- إيجاد مصدر طاقة مدمج وصغير يسمح بالتحكم الذاتي.
- ضمان استقرار الحركة في بيئات مائية مضطربة.
- تطوير مواد مقاومة للأملاح والعوامل الجوية.
ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن هذه العقبات ستُحل تدريجيًا خلال الأعوام الخمسة القادمة، مع دعم متزايد من شركات مثل Samsung Medical AI التي ترى في التقنية تطبيقات طبية هائلة.
نظرة مستقبلية: نحو عالم من الروبوتات اللينة الذكية
من المتوقع أن يتضاعف سوق الروبوتات الناعمة العالمية من 6 مليارات دولار في 2023 إلى أكثر من 15 مليار دولار بحلول 2030، مع دخول تطبيقات مثل HydroSpread في مجالات البيئة، والزراعة، والرعاية الصحية.
هذه التجارب لا تُعنى بالقوة أو السرعة فحسب، بل بالانسجام — كيف يمكن للآلة أن تتكيّف مع البيئة بدلاً من أن تهيمن عليها.
ربما خلال سنوات قليلة، سنرى روبوتات كهذه تعمل في حماية المحيطات، ومراقبة الأنهار، أو حتى المساعدة في الزراعة المائية.
إنها دعوة للتفكير في علمٍ أكثر تواضعًا، يراقب الطبيعة ليصمم منها حلولًا تخدمها لا تدمّرها.
المصدر:
- University of Virginia Engineering News (Oct 2025)
- ScienceDaily — “Soft robots walking on water: HydroSpread innovation”
- Interesting Engineering (2025)