كم مرة مر عليك اليوم دون أن تتوقف للحظة وتتنفس بعمق؟ نحن نعيش حياتنا وكأنها أبدية، نؤجل أحلامنا ونغرق في تفاصيل روتينية، غير مدركين أن الخيط الرفيع الذي يفصل بين الحياة والموت قد يكون أرق مما نتخيل. هذه ليست دعوة للتشاؤم، بل هي دعوة للاستيقاظ، دعوة مستوحاة من قصة حقيقية لرجل سافر إلى حافة الموت وعاد ليذكرنا بقيمة كل ثانية. إنه البريطاني ماثيو أليك، الذي توقف قلبه لعشر دقائق كاملة، ليعود بعدها بحكمة لا تُشترى بمال: الحياة هدية، والوقت هو أثمن ما نملك.
صفير الإنذار في ليلة هادئة
لم يكن يوم ماثيو أليك، الأب لطفلين من رومفورد، مختلفًا عن أي يوم آخر. كان يؤدي عمله في نوبة ليلية عندما انقلب كل شيء رأسًا على عقب في لحظة. شعر بوعكة صحية مفاجئة لم تكن مجرد إرهاق عابر، بل كانت جلطة دموية غادرة استقرت في رئته، تُعرف طبيًا باسم الانصمام الرئوي. consequently, توقف قلبه عن النبض.
في تلك اللحظات الحرجة، كان ماثيو على حافة الهاوية. تدخل المسعفون بسرعة، ونُقل إلى المستشفى حيث بدأ الأطباء معركة شرسة ضد الزمن. استخدموا جهاز إزالة الرجفان وأجروا له إنعاشًا قلبيًا رئويًا عنيفًا، في محاولة يائسة لإعادة قلبه إلى الحياة. لقد نجحوا، ولكن ليس قبل أن يقضي ماثيو عشر دقائق كاملة في حالة موت سريري. عشر دقائق كان فيها جسده بلا حياة، بينما كان وعيه في مكان آخر تمامًا.
ماذا يوجد على الجانب الآخر؟ تجربة الاقتراب من الموت
يثير سؤال “ماذا بعد الموت؟” فضول البشرية منذ الأزل. الكثير من الناجين من تجربة الاقتراب من الموت يروون قصصًا عن أنفاق من نور، أو رؤية شريط حياتهم يمر أمام أعينهم، أو لقاء أحباء رحلوا. لكن تجربة ماثيو كانت مختلفة تمامًا، وبشكل لافت.
عندما سُئل عما رآه أو شعر به خلال تلك الدقائق العشر، كانت إجابته صادمة في بساطتها: “لا شيء”.
“لا أتذكر شيئًا من لحظة موتي، لكنني أتذكر استيقاظي من الغيبوبة وشعوري وكأني كنت نائمًا. كان كل شيء هادئًا، وكان الأمر أشبه بنوم هانئ.” – ماثيو أليك
هذه الشهادة تقدم وجهة نظر فريدة. فبدلاً من المشاهد السينمائية، يصف ماثيو الموت بأنه سكون مطلق، وهدوء عميق يشبه النوم بلا أحلام. يرى بعض الخبراء، مثل الدكتور سام بارنيا، الباحث في دراسات الإنعاش وتجارب الموت، أن هذه التجارب قد تكون نتاجًا للتغيرات الكيميائية والفيزيائية في الدماغ المحروم من الأكسجين. لذلك، سواء كانت تجربة روحية أم مجرد ظاهرة بيولوجية، فإن الدرس المستفاد منها يبقى واحدًا: العودة من هذا السكون هي معجزة بحد ذاتها.

معركة العودة إلى الحياة
لم تنتهِ محنة ماثيو بعودة قلبه للنبض. فبعد عشر دقائق من الحرمان من الأكسجين، كانت المخاوف الحقيقية تتجه نحو دماغه. أدخله الأطباء في غيبوبة اصطناعية لحماية وظائفه الحيوية، بينما حذروا عائلته من احتمال حدوث تلف دماغي شديد.
وعندما استيقظ أخيرًا، كانت الحقيقة مؤلمة. ذاكرته كانت ممزقة، وكأنه جهاز كمبيوتر تم مسح بياناته. لم يكن يتذكر الكثير، واستغرق الأمر وقتًا طويلاً وجهدًا مضنيًا وتمارين خاصة ليبدأ في استعادة أجزاء من حياته. بالإضافة إلى ذلك، تسبب الإنعاش القلبي الرئوي القوي في كسور بالضلوع ونزيف داخلي، مما أضاف تحديًا جسديًا إلى صراعه العقلي.
مع ذلك، فإن قصة ماثيو هي قصة انتصار. انتصار على الموت، وانتصار على فقدان الذاكرة، وانتصار للإرادة البشرية المدعومة بالطب الحديث.
الدرس الذي يجب أن نتعلمه جميعًا
قصة ماثيو أليك ليست مجرد خبر مثير، بل هي مرآة تعكس هشاشة وجودنا. من ناحية، هي تذكير صارخ بأن الحياة يمكن أن تتغير في لمح البصر، دون سابق إنذار. ومن ناحية أخرى، هي شهادة على قوة الروح البشرية وقدرتنا على التغلب على أصعب المحن.
إليك بعض الدروس العملية التي يمكننا استخلاصها:
- عش اللحظة بامتنان: لا تؤجل قول “أحبك“. لا تنتظر مناسبة خاصة للاستمتاع بوقتك. كل يوم تستيقظ فيه بصحة جيدة هو مناسبة تستحق الاحتفال.
- استمع لجسدك: لم تكن وعكة ماثيو مجرد تعب. تعلمنا قصته أهمية عدم تجاهل الإشارات التي يرسلها لنا جسدنا وإجراء الفحوصات الطبية بانتظام.
- قوة العلم والتدخل السريع: لولا المسعفين والأطباء والتقنيات الحديثة، لما كانت قصة ماثيو لتُروى اليوم. هذا يسلط الضوء على أهمية تعلم مهارات الإسعافات الأولية مثل الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، فقد تنقذ حياة شخص عزيز عليك يومًا ما.
في النهاية، أثارت قصة ماثيو تفاعلًا واسعًا عبر الإنترنت، حيث اعتبرها الكثيرون دافعًا لإعادة تقييم أولوياتهم. فالحديث عن تجربة الاقتراب من الموت يلمس وترًا حساسًا لدى الجميع، لأنه يجبرنا على مواجهة أكبر مخاوفنا وأعمق أسئلتنا الوجودية.
إن عودة ماثيو من الموت لم تمنحه لمحة عن الجنة أو العالم الآخر، بل منحته شيئًا أثمن بكثير: فرصة ثانية ليعيش حياته الحالية بشكل أكمل وأعمق. ولعل هذه هي الرسالة الأهم لنا جميعًا.
أسئلة يطرحها القراء:
1. ما الذي حدث للبريطاني ماثيو أليك؟
تعرض ماثيو لانصمام رئوي حاد أدى إلى توقف قلبه. ظل في حالة موت سريري لمدة عشر دقائق كاملة قبل أن يتمكن الأطباء من إنعاشه.
2. ماذا شعر أو رأى ماثيو أثناء موته السريري؟
على عكس الكثير من الروايات عن تجارب الاقتراب من الموت، لم يتذكر ماثيو أي شيء. لقد وصف التجربة بأنها كانت تشبه “النوم الهانئ” الهادئ، دون أي رؤى أو أحاسيس.
3. هل عانى ماثيو من أي آثار جانبية بعد نجاته؟
نعم، بسبب الحرمان الطويل من الأكسجين، عانى من فقدان حاد في الذاكرة استغرق وقتًا طويلاً للتعافي منه من خلال تمارين خاصة، بالإضافة إلى إصابات جسدية نتيجة عملية الإنعاش.
4. ما هي الرسالة الأساسية من قصة ماثيو أليك؟
الرسالة الأساسية هي تقدير قيمة الحياة والعيش بوعي كامل لكل لحظة. قصته تذكرنا بأن الحياة هشة وأن كل يوم هو فرصة ثمينة لا يجب إهدارها.
المصدر:
مستوحاة من قصة ماثيو أليك التي نشرتها صحيفة “ذا ميرور” البريطانية.