
صورة بألف معنى: حين تتحدث السياسة بلغة الإنسان
في خضم التحديات الجسيمة والأيام المزدحمة التي تواجه الإدارة الجديدة في سوريا، تأتي لقطة عفوية من بلدة بلودان شمال غرب دمشق لتقدم رسالة مختلفة. نشر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، صورة تجمعه برئيس الجمهورية العربيَّة السوريَّة أحمد الشرع، وهما في جلسة هادئة. معلقًا عليها بأنها استراحة محارب “لترميم ما أفسده التعب”. هذه الصورة، رغم بساطتها، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية وإنسانية عميقة، وتُعد مؤشرًا على أسلوب جديد في التواصل مع الشعب.
علاوة على ذلك، فإن اختيار بلودان، المنتجع التاريخي الذي طالما كان متنفسًا لأهل الشام، ليس عشوائيًا على الأرجح. إنه يمثل رغبة في إعادة الحياة إلى طبيعتها، وربط الحاضر المليء بالعمل من أجل “مستقبل مشرق” بذاكرة مكانية مرتبطة بالهدوء والسكينة. وبذلك، تتحول الصورة من مجرد مشاركة شخصية إلى بيان سياسي غير مباشر، يؤكد أن القيادة الجديدة تعمل بجد، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لإعادة بناء الروح المعنوية للبلاد.
دبلوماسية “السيلفي”: نمط جديد للتواصل
لم تكن صورة بلودان هي المرة الأولى التي يظهر فيها الثنائي بهذا الشكل غير الرسمي. ففي أبريل الماضي، خلال “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” في تركيا. التقط أحمد الشرع صورة “سيلفي” مع الشيباني، في خطوة كسرت الجمود المعتاد في المحافل الدولية. يبدو أن هناك استراتيجية واضحة لتقديم صورة أكثر قربًا من الناس وأكثر حداثة، تعتمد على الشفافية والتواصل المباشر عبر منصات مثل “إنستغرام”.

إن هذا النهج يمثل قطيعة تامة مع أسلوب النظام السابق الذي كان يعتمد على الصور الرسمية المهيبة والخطابات الرنانة التي تخلق مسافة شاسعة مع المواطن. اليوم، نرى قيادة تحاول أن تقول للجميع: “نحن منكم، نشعر بما تشعرون به، ونتقاسم معكم لحظات التعب والهدوء”. هذا الأسلوب، وإن كان بسيطًا، قد يكون له تأثير كبير في بناء الثقة التي تحتاجها سوريا بشدة في هذه المرحلة الانتقالية.
تفاعل الشارع الرقمي: بين الأمل والترقب
كما كان متوقعًا، أحدثت الصورة موجة من التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يقتصر الأمر على مجرد الإعجابات والمشاركات، بل تحولت إلى منصة للنقاش. فمن ناحية، عبر الكثيرون عن تفاؤلهم وأملهم في أن تكون هذه “الجلسة الهادئة” بداية حقيقية للاستقرار والعمل الجاد. ومن ناحية أخرى، لا يزال البعض يراقب بترقب، منتظرًا أن تترجم هذه الصور والكلمات إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع تعالج الأزمات الاقتصادية والأمنية.
في المحصلة، فإن هذه الصورة التي جمعت أحمد الشرع بالشيباني ليست مجرد لقطة عابرة. بل هي جزء من سردية جديدة تحاول الحكومة السورية كتابتها. إنها سردية تجمع بين العمل الشاق والأمل، وبين الرسميات السياسية والجانب الإنساني، في محاولة لرسم مستقبل مختلف لسوريا.