في ظل التنافس العالمي المحموم على الريادة التكنولوجية، تقف الدول العربية أمام مفترق طرق: إما أن تستمر في دور المستهلك للتقنيات، أو أن تصوغ مستقبلها بيدها وتؤسس لنموذجها الخاص من “وادي السيليكون“. التجربة الصينية في “صناعات المستقبل” تُقدّم دروسًا عملية، تُظهر أن الريادة ليست حكرًا على الغرب، بل نتاج رؤية بعيدة المدى ودعم منهجي للابتكار.
ما المقصود بصناعات المستقبل؟
“صناعات المستقبل” هي القطاعات التي لا تزال في مراحلها الأولى تقنيًا، ولكنها تُعد محركات التحول الاقتصادي في العقود المقبلة. تشمل هذه الصناعات مجالات مثل:
- الذكاء الاصطناعي.
- الطاقة المتجددة (مثل الهيدروجين الأخضر).
- تقنيات الجينات والعلاجات الخلوية.
- الروبوتات البشرية.
- الحوسبة الكمّية والفضاء.
هذه القطاعات ليست مجرد رفاهية علمية، بل تمثل أداة سياسية واستراتيجية لبناء نفوذ اقتصادي عالمي.
كيف نجحت الصين في اقتحام هذا المجال؟
منذ أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2020 عن أهمية الصناعات المستقبلية، تحركت الصين بقوة، ووضعت خططًا خمسية تتضمن:
- ضخ التمويل الضخم في الأبحاث.
- تأسيس بيئة مرنة للشركات الناشئة.
- دعم حكومي مباشر لتسريع الإدراج في بورصات التكنولوجيا.
- جذب الكفاءات برواتب تنافسية للغاية.
نتيجة لذلك، أصبحت الصين تستحوذ اليوم على:
- 56% من شركات الروبوتات البشرية المدرجة عالميًا.
- 45% من مُدمجي أنظمة الروبوتات.
- تطور سريع في العلاجات الجينية وتكنولوجيا الدماغ.
لماذا يفشل العالم العربي في اللحاق بركب الصناعات المستقبلية؟
رغم ما تمتلكه الدول العربية من موارد مالية وبشرية، فإن الفجوة ما زالت قائمة، للأسباب التالية:
- غياب السياسات طويلة المدى: الكثير من المبادرات التقنية موسمية وغير مستندة إلى استراتيجيات مستدامة.
- ضعف الترابط بين الجامعات والصناعة: البحث العلمي منفصل عن احتياجات السوق.
- هجرة العقول: نقص في البيئة المحفزة يدفع الكثير من الكفاءات إلى الخارج.
- الاعتماد على استيراد التكنولوجيا: بدلًا من الاستثمار في إنتاجها أو حتى توطينها.
أين تكمن الفرص الضائعة عربياً؟
رغم التحديات، هناك بوادر أمل في عدة دول عربية:
- الذكاء الاصطناعي في الإمارات والسعودية: مشاريع مثل “نيوم” و”سير” تُبشر بتوجه استراتيجي نحو المستقبل.
- التكنولوجيا الزراعية في مصر والسودان: المساحات الواسعة وشح المياه يُحتّمان تطوير حلول ذكية.
- الطاقة الشمسية في الخليج: واحدة من أكثر المناطق إشراقًا في العالم دون استغلال حقيقي لتوطين تقنيات الطاقة.
- التعليم الرقمي والميتافيرس في المغرب والأردن: مؤسسات ناشئة بدأت تشق طريقها عالميًا.
كيف نبني وادي السيليكون العربي؟
لبناء “وادي السيليكون” حقيقي عربي، لا بد من:
- إنشاء صناديق سيادية لدعم الابتكار مخصصة فقط للتقنيات الناشئة.
- إطلاق بورصات تكنولوجية لتشجيع إدراج شركات التقنية.
- تعزيز حاضنات الأعمال والمسرّعات، وخصوصًا في الجامعات.
- ربط البحث العلمي بالقطاع الخاص عبر حوافز ضريبية وشراكات.
- إعادة الكفاءات المهاجرة من خلال عقود مغرية ومناخ إبداعي مفتوح.
في الختام
إذا كانت الصين قد نجحت في التحول من “مصنع العالم” إلى “مبتكر العالم”، فإن العالم العربي قادر على أن يكون منصة للإبداع التكنولوجي إذا قرّر أن يراهن على المستقبل. الرؤية موجودة، والإمكانات حاضرة، وينقصنا فقط القرار والإرادة.
الأسئلة الشائعة:
1. ما المقصود بـ “وادي السيليكون العربي”؟
مصطلح يُستخدم للإشارة إلى حلم بناء مركز تكنولوجي وريادي في العالم العربي يُشبه وادي السيليكون في أميركا من حيث التأثير والابتكار.
2. ما هي صناعات المستقبل التي يجب التركيز عليها عربياً؟
مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا الحيوية، التعليم الرقمي، وتكنولوجيا الزراعة.
3. لماذا تعتبر التجربة الصينية ملهمة؟
لأنها تُظهر كيف يمكن لدولة نامية أن تتفوق عالميًا من خلال دعم الابتكار والتركيز على الصناعات التقنية الناشئة.
4. ما أبرز التحديات التي تواجه العالم العربي؟
ضعف الدعم البحثي، هجرة العقول، نقص السياسات المستدامة، وعدم ربط البحث العلمي بسوق العمل.
5. كيف يمكن تحفيز الابتكار في الدول العربية؟
عبر تمويل الابتكار، تأسيس حاضنات أعمال، ربط الجامعات بالشركات، وجذب الكفاءات المهاجرة.