في خطوة تبدو وكأنها من نسج الخيال العلمي، شهد العالم ولادة طفل من جنين مجمد ظل محفوظًا في النيتروجين السائل لأكثر من ثلاثة عقود. هذه القصة ليست مجرد خبر طبي، بل هي رسالة أمل وشهادة على أن العلم يمكن أن يصنع معجزات حقيقية، رابطًا بين الماضي والحاضر بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.
قصة ثاديوس: طفل انتظر 30 عامًا ليولد
في ولاية أوهايو الأمريكية، احتفل الزوجان ليندسي وتيم بيرس (35 و34 عامًا) بميلاد طفلهما الأول، ثاديوس. ولكن قصة ثاديوس فريدة من نوعها؛ فهو من الناحية البيولوجية، يكاد يكون من نفس جيل والديه. تم تكوين الجنين الذي نشأ منه في عام 1994 عن طريق التلقيح الصناعي (IVF) لامرأة أخرى تدعى ليندا آرشرد. في ذلك الوقت، تم استخدام أحد الأجنة بينما حُفظت الأجنة المتبقية بالتبريد.
بعد أكثر من 30 عامًا، وبعد رحلة طويلة من محاولات الإنجاب استمرت 7 سنوات، قرر الزوجان بيرس اللجوء إلى خيار “تبني الأجنة”. لقد منحا فرصة للحياة لجنين كان ينتظر في سبات عميق، ونتيجة لذلك، تحقق حلمهما بالأبوة والأمومة بطريقة استثنائية. وبالتالي، فإن ولادة طفل من جنين مجمد بعد هذه المدة الطويلة تُعد علامة فارقة في تاريخ الطب الإنجابي.
كيف يمكن لجنين أن يبقى حياً كل هذه المدة؟
قد يبدو الأمر غريباً، ولكن من الناحية النظرية، لا يوجد تاريخ انتهاء صلاحية للأجنة المجمدة. السر يكمن في عملية التجميد السريع المعروفة بـ “التزجيج” (Vitrification).
في هذه العملية، يتم تبريد الأجنة بسرعة فائقة إلى درجة حرارة 196 تحت الصفر باستخدام النيتروجين السائل. هذه السرعة تمنع تكون بلورات ثلجية داخل الخلايا، والتي يمكن أن تدمرها. وبمجرد وصولها إلى هذه الحالة الزجاجية، تتوقف جميع الأنشطة البيولوجية تقريبًا. يقول الدكتور جيم غريفو، مدير أحد برامج الخصوبة الكبرى: “طالما يتم الحفاظ على الأجنة بشكل صحيح في النيتروجين السائل، فمن المحتمل أن تظل قابلة للحياة إلى أجل غير مسمى”.
“تبني الأجنة” هو أكثر من مجرد علم
إن قصة ثاديوس تسلط الضوء على مفهوم إنساني عميق يُعرف بـ “تبني الأجنة”. هناك مئات الآلاف من الأجنة المجمدة في الولايات المتحدة وحدها، والتي تم إنشاؤها من قبل أزواج خضعوا للتلقيح الصناعي ولم يعودوا بحاجة إليها. بدلاً من التخلص منها، يختار البعض التبرع بها لمساعدة أزواج آخرين يعانون من العقم.
هذا الخيار لا يقدم حلاً لمشكلة العقم فحسب، بل يطرح أيضًا بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا جميلاً: منح الحياة لأجنة موجودة بالفعل. إنه يمثل تقاطعًا فريدًا بين الكرم الإنساني والتقدم التكنولوجي. في الواقع، قصة ثاديوس ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها ولادة مولي جيبسون في عام 2020 من جنين جُمد لمدة 27 عامًا، مما يوضح أن هذا المجال يشهد تطورًا مستمرًا.
إن ولادة طفل من جنين مجمد بهذه الطريقة تعيد تعريف مفهوم الأسرة والقرابة، وتثبت أن الروابط الإنسانية يمكن أن تتجاوز حدود الزمن والبيولوجيا التقليدية.
المصدر: MIT Technology Review
الأسئلة الشائعة:
1. ما هي أطول مدة تم فيها تجميد جنين نتج عنه ولادة حية؟
حتى الآن، الرقم القياسي هو للطفل ثاديوس دانيال بيرس، الذي وُلد من جنين تم تجميده لمدة 30 عامًا ونصف، منذ عام 1994.
2. ما هو “تبني الأجنة”؟
هو إجراء يقوم فيه زوجان بتبني جنين تم إنشاؤه سابقًا من قبل زوجين آخرين عبر التلقيح الصناعي ولم يعودا بحاجة إليه. يتم بعد ذلك نقل الجنين إلى رحم الأم المتبنية لتحمله وتلده.
3. هل عملية تجميد الأجنة آمنة على المدى الطويل؟
نعم، تشير جميع الأدلة الحالية إلى أن التجميد بالتبريد (التزجيج) آمن للغاية. لا يبدو أن طول فترة التجميد يؤثر على صحة الطفل المولود، حيث تتوقف جميع العمليات البيولوجية للجنين بمجرد تجميده.
4. كم عدد الأجنة المجمدة الموجودة حاليًا؟
تشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون جنين مجمد في الولايات المتحدة وحدها، مما يمثل فرصة هائلة لآلاف العائلات التي تسعى لتحقيق حلم الأبوة والأمومة.
