
يطرح صعود الذكاء الاصطناعي سؤالاً وجودياً في أذهان الملايين حول العالم: “هل سيأتي اليوم الذي يحل فيه روبوت محلي؟”. لم يعد هذا السؤال مجرد خيال علمي، بل أصبح واقعاً يقلق أكثر من نصف سكان العالم. في الواقع، كشف استطلاع عالمي ضخم شمل 21 دولة أن 54% من المشاركين يعتقدون أن وظيفتهم قد تُستبدل بالكامل بواسطة آلة أو نظام حاسوبي خلال العقد القادم.
لكن المثير للاهتمام حقًا ليس الرقم الإجمالي، بل الانقسام الهائل في وجهات النظر بين مناطق العالم المختلفة. فهناك فجوة واضحة بين الشرق والغرب، وبين الاقتصادات الناشئة والدول المتقدمة، مما يرسم صورة معقدة لمستقبلنا المهني.
شرقٌ يخشى التحول وغربٌ يراهن على الحصانة
على جانب من الكوكب، نجد حالة من القلق الشديد. ففي دول مثل إندونيسيا (76%)، والهند (75%)، وباكستان (72%)، تسود قناعة شبه جماعية بأن الذكاء الاصطناعي سيغير خريطة الوظائف بشكل جذري. هذا الخوف ليس من فراغ؛ فهذه الاقتصادات تشهد حالياً تسارعاً هائلاً في تبني التكنولوجيا. علاوة على ذلك، يتركز جزء كبير من القوى العاملة فيها على وظائف تتضمن مهاماً روتينية ومتكررة، وهي أولى الأهداف لعمليات الأتمتة.
أظهرت دراسة حديثة حول سوق العمل في الهند، على سبيل المثال، ما أطلقت عليه “الضعف المزدوج”، حيث تتركز العمالة في وظائف منخفضة المهارة وفي نفس الوقت ذات قابلية عالية للأتمتة. لذلك، يبدو أن العامل في هذه الدول يرى التكنولوجيا وهي تقترب بسرعة، ويشعر بتأثيرها المحتمل بشكل مباشر.
في المقابل، على الجانب الآخر من العالم، تبدو الصورة مختلفة تمامًا. ففي دول مثل ألمانيا (34%)، واليابان (29%)، وكندا، يسود شعور أكبر بالطمأنينة. حيث يعتقد ثلثا الألمان أن وظائفهم آمنة، بينما أظهرت اليابان أقل نسبة من اليقين المطلق بالاستبدال. يمكن تفسير هذا التفاؤل النسبي بعدة عوامل، منها أنظمة حماية العمال القوية، والتركيز على الصناعات المعقدة التي تتطلب إبداعاً بشرياً، بالإضافة إلى الثقة في قدرة أسواق العمل لديهم على التكيف.
نتائج الاستطلاع: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل وظيفتك؟ (بالنسب المئوية %)
الدولة | نعم بالتأكيد | نعم على الأرجح | لا على الأرجح | لا بالتأكيد |
🇮🇳 الهند | 36 | 39 | 17 | 8 |
🇵🇰 باكستان | 31 | 41 | 18 | 9 |
🇿🇦 جنوب أفريقيا | 23 | 38 | 24 | 14 |
🇲🇽 المكسيك | 21 | 44 | 21 | 13 |
🇰🇪 كينيا | 20 | 46 | 22 | 11 |
🇨🇱 تشيلي | 20 | 44 | 20 | 16 |
🇺🇸 الولايات المتحدة | 18 | 30 | 28 | 24 |
🇮🇩 إندونيسيا | 16 | 60 | 16 | 8 |
🌍 عالميًا (المتوسط) | 15 | 39 | 27 | 18 |
🇧🇷 البرازيل | 14 | 43 | 29 | 14 |
🇦🇷 الأرجنتين | 14 | 41 | 27 | 18 |
🇨🇳 الصين | 13 | 57 | 20 | 10 |
🇪🇸 إسبانيا | 11 | 38 | 30 | 21 |
🇮🇹 إيطاليا | 11 | 37 | 29 | 23 |
🇦🇺 أستراليا | 10 | 29 | 31 | 30 |
🇩🇪 ألمانيا | 10 | 24 | 32 | 34 |
🇵🇹 البرتغال | 9 | 39 | 35 | 17 |
🇨🇦 كندا | 9 | 27 | 34 | 30 |
🇬🇧 المملكة المتحدة | 8 | 30 | 33 | 30 |
🇵🇱 بولندا | 8 | 31 | 36 | 26 |
🇫🇷 فرنسا | 7 | 41 | 35 | 18 |
🇯🇵 اليابان | 5 | 38 | 39 | 18 |
ما وراء الأرقام: لماذا هذا التباين الكبير؟
لفهم هذا الانقسام، يجب أن ننظر أعمق من مجرد الأرقام. فالأمر لا يتعلق فقط بنوعية الوظائف، بل بالبنية الاجتماعية والاقتصادية بأكملها.
- طبيعة الوظائف السائدة: الوظائف التي تتطلب التفاعل الإنساني المعقد، والذكاء العاطفي، والإبداع، والتفكير النقدي هي الأكثر حصانة حتى الآن. لذلك، نجد أن المعالجين النفسيين، والفنانين، ومديري الاستراتيجيات، والمحامين أقل قلقًا من مدخلي البيانات أو عمال خطوط التجميع.
- سرعة التبني التكنولوجي: الاقتصادات الناشئة تميل إلى “القفز” مباشرة إلى أحدث التقنيات، متجاوزة المراحل التي مرت بها الدول المتقدمة. هذا التسارع يخلق شعوراً بأن التغيير وشيك وعنيف.
- الاستقرار والثقة: في الدول ذات الاقتصادات المستقرة وشبكات الأمان الاجتماعي القوية، يشعر العمال بأن هناك آليات ستحميهم أو ستساعدهم على الانتقال إلى أدوار جديدة، مما يقلل من حدة الخوف.
تفاعل الناس والخبراء: بين الذعر والفرصة
أثار هذا الاستطلاع موجة من النقاشات على المنصات الرقمية. فبينما عبر البعض عن خوفهم من “بطالة جماعية” قادمة، رأى آخرون أن هذه فرصة تاريخية للتخلص من الأعمال المملة والتركيز على ما يجعلنا بشراً.
يقول الخبراء إن القصة ليست بهذه البساطة. حيث يوضح الدكتور “يوشوا بينجيو”، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، أن “العديد من الوظائف لن تختفي، بل ستتطور. سيصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة، مثل مساعد طيار يعزز قدراتنا بدلاً من أن يحل محلنا”. هذه النظرة تؤكد أن مستقبل الوظائف مع الذكاء الاصطناعي لا يعني بالضرورة “الإحلال” بقدر ما يعني “التحول”. فالمحاسب قد لا يُستبدَل، لكن مهامه ستنتقل من إدخال البيانات يدوياً إلى تحليل النتائج التي يقدمها النظام الذكي.
هل الذكاء الاصطناعي عدو أم شريك؟
إن التركيز على فكرة “الاستبدال” هو تبسيط مخل. التحدي الحقيقي ليس في محاربة التكنولوجيا، بل في التكيف معها. التاريخ مليء بأمثلة عن ثورات تكنولوجية (مثل الثورة الصناعية) أدت إلى اختفاء وظائف قديمة وولادة وظائف جديدة لم نكن نتخيلها.
بدلاً من الخوف، يجب أن يكون التوجه نحو إعادة التأهيل والتعلم المستمر. الحكومات والشركات والأفراد مدعوون للاستثمار في المهارات التي لا تستطيع الآلات محاكاتها بسهولة: الإبداع، والتعاطف، والقيادة، وحل المشكلات المعقدة. إن الذكاء الاصطناعي أداة جبارة، وكيفية استخدامها ستحدد ما إذا كانت نعمة أم نقمة على مستقبل العمل.
أسئلة شائعة
1. ما هي النسبة العالمية للأشخاص الذين يخشون من استبدال وظائفهم بالذكاء الاصطناعي؟
بشكل عام، يعتقد 54% من المشاركين في الاستطلاع العالمي أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل وظيفتهم خلال العقد المقبل.
2. أي الدول تظهر أعلى مستويات القلق من الأتمتة؟
تتصدر إندونيسيا (76%) والهند (75%) وباكستان (72%) قائمة الدول الأكثر قلقاً بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائفهم.
3. لماذا الدول المتقدمة مثل ألمانيا واليابان أقل قلقًا؟
يعود ذلك إلى عدة أسباب، منها وجود أنظمة حماية اجتماعية قوية، وبطء نسبي في وتيرة تبني الأتمتة في بعض القطاعات، وتركيز سوق العمل على وظائف تتطلب مهارات إنسانية معقدة.
4. ما هي أنواع الوظائف الأكثر أمانًا من الذكاء الاصطناعي؟
الوظائف التي تعتمد بشكل كبير على الذكاء العاطفي، والإبداع، والتفكير النقدي، والتفاعل الإنساني المعقد تعتبر الأكثر أمانًا في الوقت الحالي.