في اليوم الأول من توليه الرئاسة، وعد دونالد ترامب الأميركيين ببداية “عصر ذهبي” للاقتصاد، إلا أن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا مما صوره خلال حملته الانتخابية. فوفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، بدأت إدارة ترامب في التراجع عن تفاؤلها المفرط، مشيرةً إلى أن التحوّل الاقتصادي قد يستغرق من ستة أشهر إلى سنة على الأقل حتى تبدأ نتائجه في الظهور.
مؤشرات ضعيفة وتحديات متزايدة
في حديث إذاعي مع شبكة فوكس نيوز، صرّح ترامب قائلاً: “بايدن دمّر بلدنا وسنحتاج إلى وقت لإصلاح ما فعله”. ومن جانبه، أكد وزير الخزانة سكوت بيسنت أن الاقتصاد لا يزال يعاني من “آثار بايدنفلايشن”، بينما أشار وزير التجارة هوارد لوتنيك إلى أن التأثير الإيجابي لسياسات ترامب لن يظهر قبل الربع الأخير من العام الجاري.
ورغم هذه التطمينات، فإن السياسات الاقتصادية التي يعتمدها ترامب، لا سيما الرسوم الجمركية التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في أبريل/نيسان المقبل، تزيد من تعقيد المشهد، حيث يرى الخبراء أن هذه الإجراءات قد تساهم في تباطؤ النمو وتفاقم مخاطر الركود التضخمي.
تراجع ثقة المستهلكين وتأثيرات السوق
يواجه الاقتصاد الأميركي أزمة ثقة ملحوظة، خاصةً بسبب القرارات الاقتصادية المتقلبة التي تتخذها إدارة ترامب. فقد أظهرت بيانات جامعة ميشيغان انخفاضًا حادًا في مؤشرات ثقة المستهلكين، بينما ارتفعت توقعات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1993.

وقد انعكس هذا القلق على الأسواق المالية أيضًا، حيث خسرت وول ستريت ما يقارب 5 تريليونات دولار، وفقًا لتقارير اقتصادية. كما كشف استطلاع أجرته “إن بي سي نيوز” أن غالبية الناخبين المسجلين يعارضون أسلوب ترامب في إدارة الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي هذا السياق، صرّحت كيمبرلي كلاوسنغ، المسؤولة السابقة في وزارة الخزانة، قائلة: “الإدارة الحالية تتحمل مسؤولية هذه الفوضى منذ اللحظة التي بدأت فيها بتهديداتها الجمركية”.
ترامب يضغط على الاحتياطي الفدرالي
في محاولة لإبعاد الأنظار عن التباطؤ الاقتصادي، نشر ترامب عبر منصته “تروث سوشيال” منشورًا قال فيه: “أسعار البيض والبنزين انخفضت بشكل كبير.. إذا قام الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة سيكون ذلك رائعًا!”.
لكن رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول لم يبدِ حماسة لهذه الفكرة، محذرًا من أن فرض رسوم جمركية جديدة قد يعرقل جهود السيطرة على التضخم، حيث قال: “التضخم بدأ بالارتفاع، والرسوم الجمركية قد تؤخر تقدمنا في السيطرة عليه”.
من يملك الاقتصاد الأميركي اليوم؟
ورغم دفاع ترامب عن سياساته، فإن البيانات الاقتصادية تشير إلى ضعف في إنفاق المستهلكين وتراجع مبيعات التجزئة، في حين سجل الإنتاج الصناعي ارتفاعًا طفيفًا، فسّره البيت الأبيض على أنه جزء من “إعادة التصنيع المحلي”. لكن محللين يرون أن هذا التحسن قد يكون مجرد خطوة استباقية لتجنب تأثيرات الرسوم الجديدة.
وفي هذا الإطار، صرح ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترامب، قائلاً: “لا يمكن الحكم على الاقتصاد وفقًا للزمن، بل من خلال تنفيذ السياسات”.

هل تنجح تخفيضات ترامب الضريبية؟
تسعى إدارة ترامب إلى تمرير مجموعة جديدة من التخفيضات الضريبية لمواجهة الآثار السلبية للرسوم الجمركية، تشمل إعفاءات على الدخل الإضافي والبقشيش ومدفوعات الضمان الاجتماعي.
لكن تقريرًا صادرًا عن مكتب الميزانية في الكونغرس أشار إلى أن التخفيضات الضريبية للشركات هي الأكثر تأثيرًا في تحفيز الاقتصاد، بينما تظل الفوائد على المستوى الفردي محدودة.
وفي هذا السياق، حذّرت الخبيرة الاقتصادية ستيفاني روث من أن “الرسوم الجمركية تمثل مخاطرة حقيقية بركود تضخمي، وتكاد تلتهم أي فوائد محتملة من إصلاحات ضريبية لاحقة”.
أما مستشار البيت الأبيض السابق بيتر نافارو، فقد دافع عن الرسوم الجمركية، مؤكدًا أنها لن تكون تضخمية إلا إذا استمرت لفترات طويلة، مضيفًا: “ترامب يستخدمها فقط كأداة تفاوضية”.
الوعود الاقتصادية تحت الاختبار
ورغم محاولات ترامب وفريقه تبرير التباطؤ الاقتصادي وإلقاء اللوم على الإدارة السابقة، فإن المؤشرات الحالية لا تعكس التعافي الذي وُعد به الأميركيون. وبدلًا من “المعجزة الاقتصادية” التي تحدث عنها ترامب، يبدو أن الاقتصاد الأميركي يواجه اضطرابات قد تستمر لفترة أطول مما توقعه الناخبون، مما يفتح المجال لانتقادات حادة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
هل سينجح ترامب في إعادة الاقتصاد إلى مساره الذهبي، أم أن الأزمات الاقتصادية ستقف عائقًا أمام وعوده؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
المصدر : بلومبيرغ

[…] الفريدة والتمعن في نقوشها وزخارفها التي تحكي قصة عصر ذهبي من الفن […]