صورة الفايكنج في السينما والتلفزيون: بين الحقيقة والخيال.
لقد تركت غزوات الفايكنج بصمات لا تمحى على تاريخ العصور الوسطى في أوروبا، ولا يزال صدى حكاياتهم يتردد حتى يومنا هذا. وقد ساهمت الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، بشخصياتها الجذابة وقصصها الملحمية، في تشكيل تصور الجمهور العام عن هؤلاء المحاربين الشماليين. فمن منا لم يشاهد صورًا للرجال الأشداء ذوي الشعر الطويل واللحى الكثيفة وهم يبحرون بسفنهم الطويلة ليشنوا غارات على السواحل البعيدة؟.
ومع ذلك، من الضروري أن نميز بين الدراما التاريخية التي تهدف إلى الترفيه وبين الدقة التاريخية التي تسعى إلى تقديم صورة واقعية للماضي. تهدف هذه المقالة إلى استكشاف مدى تطابق صورة الفايكنج التي تقدمها لنا الشاشة مع الحقائق التاريخية، وتسليط الضوء على المفاهيم الشائعة الخاطئة وتصحيحها.
الفايكنج في الشاشة: نظرة على التصويرات الشائعة:
المظهر الخارجي: الشعر، اللحية، الخوذات (مع التركيز على أسطورة الخوذة ذات القرون).
غالبًا ما تصور الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الفايكنج بمظهر مميز يشمل الشعر الطويل المضفر أو المربوط للخلف، واللحى الكثيفة التي تضفي عليهم مظهرًا وحشيًا. وفي بعض الأحيان، يظهرون وهم يرتدون خوذات مزينة بالقرون، وهي الصورة النمطية الأكثر رسوخًا في الأذهان.
لكن الحقيقة التاريخية تكشف عن صورة مختلفة. تشير المصادر الأثرية، مثل الأدوات التي تم العثور عليها في مواقع الفايكنج والتي تشمل الملاقط والأمشاط ومنظفات الأظافر والأذنين، إلى أن الفايكنج كانوا يهتمون بنظافتهم الشخصية بشكل ملحوظ. كما تصفهم بعض الكتابات المعاصرة، مثل سجلات جون والينجفورد من القرن الثاني عشر، بأنهم كانوا يعتادون تمشيط شعرهم يوميًا والاستحمام أسبوعيًا وتغيير ملابسهم بانتظام.

أما بالنسبة للخوذات ذات القرون، فهي في الواقع خرافة نشأت في القرن التاسع عشر، ويرجع انتشارها بشكل كبير إلى مصمم الأزياء كارل إميل دوبلر الذي ابتكرها لأوبرا “حلقة النيبلونج” لفاجنر في سبعينيات القرن التاسع عشر. لم يتم العثور على أي خوذات فايكنجية أصلية مزينة بالقرون، وتشير الأدلة الأثرية إلى أنهم كانوا يستخدمون خوذات بسيطة مصنوعة من الحديد أو الجلد للحماية في المعارك. وقد يكون مسلسل “Vikings” قد تجنب إلى حد كبير تصوير الخوذات ذات القرون، لكنه قد يكون بالغ في تعقيد تسريحات الشعر التي ظهرت في المسلسل.
إن هذا التركيز على المظهر اللافت، حتى لو كان غير دقيق تاريخيًا، غالبًا ما يكون أولوية في وسائل الإعلام لخلق شخصيات لا تُنسى.
نمط الحياة والثقافة: المجتمع، الأسرة، المهن (بين المحارب والمزارع).
تركز العديد من الأفلام والمسلسلات على صورة الفايكنج كمحاربين وغزاة شرسين، مما قد يغفل جوانب أخرى مهمة من حياتهم. لكن الحقيقة هي أن معظم الفايكنج كانوا في الأساس مزارعين وصيادين وحرفيين وتجارًا. كان المجتمع الفايكنجي منظمًا بشكل جيد، وكانت الأسرة هي الوحدة الأساسية فيه، وكانت المرأة تتمتع بحقوق ومكانة اجتماعية أكبر مقارنة بالعديد من الثقافات الأخرى في ذلك الوقت.

وقد حاول بعض الأعمال، مثل فيلم “The Northman”، إظهار جوانب من الحياة اليومية للفايكنج، بما في ذلك طقوسهم ومعتقداتهم. إن التركيز المفرط على الغارات في وسائل الإعلام غالبًا ما يطغى على الدور الهام الذي لعبه الفايكنج في التجارة والاستكشاف وتأسيس المستوطنات. كما أن التصوير الإعلامي قد يبسط الهيكل الاجتماعي للمجتمع الفايكنجي، مما قد يبالغ في أهمية الطبقة المحاربة. إن فهمًا متوازنًا للمجتمعات التاريخية يتطلب النظر إلى ما وراء الجوانب الأكثر دراماتيكية مثل الحروب.
المعتقدات والأساطير: الآلهة، الطقوس، التصوير في الإعلام.
غالبًا ما تظهر في الأفلام والمسلسلات الآلهة النورسية القديمة مثل ثور وأودين ولوكي، وأحيانًا تصور الطقوس الدينية بطريقة نمطية أو مبالغ فيها. في الواقع، كانت الديانة النورسية القديمة معقدة ومتنوعة، وتضمنت العديد من الآلهة والطقوس التي تختلف في تفاصيلها من منطقة إلى أخرى.

قد يركز التصوير الإعلامي على جوانب معينة بشكل غير متوازن أو يقدمها بطريقة تهدف إلى الإثارة أكثر من الدقة. على سبيل المثال، يقدم فيلم “Thor: Ragnarok” نظرة خيالية على الأساطير النورسية، مستفيدًا من شخصياتها وقصصها في سياق مختلف تمامًا. لقد أدى تصوير الأساطير النورسية في أفلام الأبطال الخارقين إلى زيادة الوعي العام بها بشكل كبير، ولكن غالبًا ما يكون ذلك بطريقة خيالية للغاية. إن فهم السياق الأصلي ودقائق المعتقدات الدينية أمر ضروري لتجنب سوء التفسير.
الغارات والحروب: دوافعها، أساليبها، مدى تطابقها مع الواقع.
تركز العديد من الأفلام والمسلسلات بشكل كبير على الغارات العنيفة والحروب الدموية التي شنها الفايكنج. بينما كانت الغارات جزءًا من أنشطة الفايكنج، إلا أن دوافعهم كانت متنوعة وشملت البحث عن الثروة والأرض والموارد، بالإضافة إلى الانتقام والشرف. كانت أساليبهم القتالية تعتمد على السرعة والمفاجأة،

وغالبًا ما كانوا يستخدمون سفنهم الطويلة للوصول إلى أهدافهم بسرعة. يصور مسلسل “Vikings” العديد من الغارات والمعارك، ولكن قد يبالغ في حجم بعض الأحداث أو يدمج أحداثًا تاريخية مختلفة لأغراض درامية. يميل الإعلام إلى التركيز على الجوانب الأكثر عنفًا في التاريخ، مما قد يعزز الصور النمطية للثقافات الماضية على أنها وحشية فقط. غالبًا ما يفتقر تصوير الغارات الفايكنجية في وسائل الإعلام إلى الدقة فيما يتعلق بدوافع هذه الأعمال وعواقبها. إن فهمًا تاريخيًا شاملاً يتطلب دراسة تعقيدات ودوافع الصراعات.
تبديد الخرافات الشائعة عن الفايكنج:
هناك العديد من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الفايكنج والتي غالبًا ما تروج لها وسائل الإعلام. إحدى هذه الخرافات هي أن الفايكنج كانوا قذرين وغير مهذبين. لكن الحقيقة تشير إلى عكس ذلك، حيث تشير الأدلة الأثرية والكتابية إلى أنهم كانوا يهتمون بنظافتهم الشخصية. خرافة أخرى هي أن الفايكنج كانوا جميعًا محاربين متعطشين للدماء. في الواقع، كان معظمهم مزارعين وتجارًا، وكانت الغارات نشاطًا موسميًا أو مهنة لبعضهم.

كما أن فكرة أن المرأة الفايكنجية لم يكن لها دور في المجتمع هي أيضًا غير دقيقة. كان للمرأة الفايكنجية حقوق ومكانة اجتماعية أكبر مقارنة بالعديد من الثقافات الأخرى في ذلك الوقت، حيث كان بإمكانهن امتلاك العقارات وطلب الطلاق والمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. إن هذه الصور النمطية السلبية عن الجماعات التاريخية يمكن أن تستمر بسبب الروايات التاريخية المتحيزة أو التصويرات الإعلامية المثيرة. غالبًا ما يتأثر الفهم الحديث للأدوار الجنسية التاريخية بالقيم المعاصرة، مما يؤدي إلى سوء تفسير محتمل للمجتمعات الماضية.
إن التقييم النقدي للمصادر التاريخية والتصويرات الإعلامية ضروري للتغلب على الصور النمطية غير الدقيقة.
إجابات على أسئلة العالم حول الفايكنج:
من هم الفايكنج حاليًا؟
لا يوجد “فايكنج” ككيان سياسي أو مجموعة غازية في العصر الحديث. ومع ذلك، هناك أحفاد للفايكنج يعيشون في الدول الاسكندنافية وأماكن أخرى حول العالم. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالثقافة والتراث الفايكنجي في العصر الحديث، مع وجود العديد من المجموعات التي تقوم بإعادة تمثيل الحياة الفايكنجية وإقامة المهرجانات والأسواق التي تحتفي بهذه الفترة التاريخية.
من هم الفايكنج في الإسلام؟
تشير المصادر التاريخية العربية إلى لقاءات بين الفايكنج والعالم الإسلامي، خاصة من خلال التجارة في مناطق مثل روسيا على طول نهر الفولغا. كما وقعت بعض الغارات الفايكنجية على مناطق إسلامية في الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليًا) في القرن التاسع الميلادي. وقد تم العثور على أدلة أثرية تشير إلى تبادل ثقافي وتجاري بين الفايكنج والمسلمين، مثل العثور على عملات عربية (دراهم) في مواقع فايكنجية في الدول الاسكندنافية.
معنى الفايكنج:
الكلمة مشتقة من اللغة النورسية القديمة وقد تعني “غارة” أو “رحلة بحرية” أو “شخص يشارك في غارة بحرية”. في العصر الحديث، يشير المصطلح غالبًا إلى شعوب الدول الاسكندنافية (الدنمارك والنرويج والسويد) خلال فترة معينة من التاريخ، تقريبًا من أواخر القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
مسلسل فايكنج قصة حقيقية؟
مسلسل “Vikings” مستوحى من التاريخ والأساطير الفايكنجية ولكنه ليس دقيقًا تاريخيًا بشكل كامل. يجمع المسلسل بين شخصيات وأحداث تاريخية وشخصيات وأحداث خيالية، ويقوم بضغط الجداول الزمنية ودمج الأحداث لأغراض درامية. هناك العديد من الأوجه غير الدقيقة في المسلسل فيما يتعلق بالملابس والأسلحة والتفاصيل التاريخية الأخرى.
نهاية الفايكنج:
يُعتبر عام 1066، وهو العام الذي شهد معركة ستامفورد بريدج وهزيمة الملك النرويجي هارالد هاردرادا، نهاية عصر الغارات الفايكنجية الكبرى في إنجلترا. ومع ذلك، استمر الوجود النوردي في بعض المناطق لفترة أطول، مثل جزر أوركني التي بقيت تحت السيطرة النرويجية حتى القرن الخامس عشر، واستمرت المستوطنات في أيسلندا وجرينلاند. أدت التغيرات في المجتمعات الاسكندنافية والأوروبية، مثل ظهور ممالك مركزية أقوى واعتناق المسيحية، إلى تضاؤل نشاط الفايكنج كغزاة.
الفايكنج راغنار:
راغنار لوثبروك هو شخصية أسطورية في الأدب النوردي القديم، ويُعتقد أنه ربما استند إلى شخصيات تاريخية متعددة من القرن التاسع الميلادي. تختلف الروايات حول حياته وأفعاله، وتشمل حكايات عن غزواته في إنجلترا وفرنسا وزواجه من نساء قويات مثل لاغيرثا وأسلوج، وإنجابه أبناء مشهورين مثل إيفار العظم وروللو وبيورن أيرونسايد.
أفلام الفايكنج:
تتنوع الأفلام التي تتناول موضوع الفايكنج بشكل كبير من حيث الدقة التاريخية والنوع. بعض الأفلام، مثل “The Northman”، حظيت بإشادة لدقتها التاريخية في العديد من الجوانب، بما في ذلك الأزياء والأسلحة والمعتقدات والطقوس. بينما يركز البعض الآخر على الجانب الأسطوري أو الترفيهي، مثل “Erik the Viking” أو “Thor”. وهناك أفلام أخرى مثل “The 13th Warrior” تستند جزئيًا إلى روايات تاريخية عن لقاءات مع الفايكنج.
عناصر تاريخية غالبًا ما يتم تضخيمها أو تجاهلها في الإعلام:
غالبًا ما تركز وسائل الإعلام على الغارات والحروب كجزء أساسي من أنشطة الفايكنج، بينما يتم تجاهل جوانب أخرى مهمة مثل التجارة والاستكشاف. لقد وصلت رحلات الفايكنج التجارية والاستكشافية إلى مناطق بعيدة مثل أمريكا الشمالية والشرق الأوسط، مما يدل على مهاراتهم البحرية المتقدمة وشبكاتهم الواسعة. كما يتم إهمال الفنون والحرف اليدوية والموسيقى التي كانت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الفايكنج.
كان لديهم فنون معقدة في الخشب والمعادن والمنسوجات، بالإضافة إلى تقاليد شعرية وموسيقية غنية. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتم تجاهل الجوانب القانونية والحكم في مجتمعات الفايكنج في التصوير الإعلامي. كان لديهم نظام قانوني واجتماعي منظم، مع مجالس تشريعية وقضائية تسمى “Things” حيث يتم اتخاذ القرارات وحل النزاعات. إن تركيز الإعلام على الصراع والعنف غالبًا ما يؤدي إلى إهمال جوانب أخرى هامة من الثقافات التاريخية. فإن الهياكل القانونية والاجتماعية المتطورة للمجتمع الفايكنجي تتعارض مع الصورة الشائعة لهم كمجرد برابرة.
إن فهمًا شاملاً للتاريخ يتطلب استكشاف مجموعة واسعة من العناصر الثقافية والمجتمعية.
أمثلة من السينما والتلفزيون:
هناك العديد من الأمثلة على الأفلام والمسلسلات التي تقدم تصورات نمطية وغير دقيقة للفايكنج. فيلم “The Vikings” (1958)، على الرغم من شعبيته، يحتوي على بعض الأوجه غير الدقيقة في الأزياء وتصوير بعض الأحداث. كما أن فيلم “Erik the Viking” (1989) يقدم نظرة كوميدية وخيالية بعيدة عن الواقع التاريخي. ويحتوي مسلسل “Vikings” (2013-2020) على العديد من الأوجه غير الدقيقة في الأزياء والجداول الزمنية والأحداث التاريخية، على الرغم من أنه حقق شعبية واسعة.

في المقابل، هناك أعمال أخرى تحاول تقديم صورة أكثر واقعية للفايكنج، مع الأخذ في الاعتبار القيود الدرامية. فيلم “The Northman” (2022) حظي بإشادة واسعة النطاق لدقته التاريخية في العديد من الجوانب، مثل الأزياء والأسلحة والمعتقدات والطقوس. كما يحاول فيلم “Beowulf & Grendel” (2005) تقديم تصوير واقعي لفترة القرن السادس الميلادي، التي تسبق عصر الفايكنج مباشرة. ويستند فيلم “The 13th Warrior” (1999) جزئيًا إلى روايات تاريخية عن لقاءات مع الفايكنج من قبل الرحالة العربي ابن فضلان، مما يوفر نظرة فريدة من منظور خارجي.
| الفيلم/المسلسل | الدقة التاريخية (تقديرية) | التركيز الرئيسي | أبرز الأوجه غير الدقيقة/النمطية | أبرز الأوجه التي تحاول الدقة |
|---|---|---|---|---|
| The Vikings (1958) | متوسطة | المغامرة والرومانسية | الأزياء، بعض الأحداث | تصوير السفن، مواقع التصوير |
| Vikings (2013-2020) | منخفضة إلى متوسطة | الدراما والشخصيات | الجدول الزمني، الأزياء، بعض الأحداث التاريخية | جوانب من الثقافة والمجتمع |
| The Northman (2022) | عالية | الانتقام والأساطير | بعض التأثيرات الصوتية | الأزياء، الأسلحة، المعتقدات، الطقوس |
| Beowulf & Grendel (2005) | متوسطة | الأسطورة، الجانب الإنساني | بعض تفاصيل الأسلحة | محاولة لتصوير واقعي للقرن السادس |
الخلاصة:
عند مشاهدة تصويرات الفايكنج في الإعلام، من المهم أن نتذكر أن الهدف الأساسي لهذه الأعمال هو الترفيه وليس بالضرورة تقديم سرد تاريخي دقيق. لقد رأينا أن العديد من المفاهيم الشائعة عن الفايكنج، مثل الخوذات ذات القرون والصورة النمطية للمحاربين القذرين المتعطشين للدماء، لا تستند إلى أدلة تاريخية قوية. غالبًا ما يقدم الإعلام صورة مبسطة أو نمطية للفايكنج، مع التركيز على جوانب معينة مثل الغارات والعنف، بينما يتم إهمال جوانب أخرى مهمة من حياتهم وثقافتهم، مثل التجارة والفنون والحكم. لكي نحصل على فهم أعمق وأكثر دقة للفايكنج، من الضروري أن نبحث عن مصادر تاريخية موثوقة تتجاوز الصور النمطية التي تقدمها لنا الشاشة.


[…] تصورنا الفايكنج وهم يرتدون خوذات مزينة بقرون، لكن لا يوجد أي دليل أثري […]