قانون الرسوم الجمركية 1789: بداية الحماية الاقتصادية في أمريكا
في أعقاب حرب الاستقلال الأميركية بين عامي 1775 و1783، وجدت الولايات المتحدة الوليدة نفسها في مأزق اقتصادي حرج. فقد انتهت الحرب رسميًا بتوقيع اتفاقية باريس في 3 سبتمبر 1783، التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة. لكن هذا الانتصار السياسي لم يكن كافيًا لدعم الاقتصاد الذي عانى من الدمار، وفقدان الوظائف، وانعدام مصادر الدخل المستقرة.
ومع اختفاء الوظائف المرتبطة بالحرب مثل التصنيع المرتبط بالعسكرية والقرصنة، وبسبب غياب أي ضرائب جمركية تنظّم السوق، بدأ الاقتصاد الأميركي يعاني من تدهور حاد. السلع الأوروبية، خاصة البريطانية، تدفقت بكثافة إلى السوق الأميركية بأسعار رخيصة دون أية رسوم جمركية، مما أدى إلى إفلاس الشركات الأميركية الناشئة التي لم تستطع منافستها.
مطالب شعبية بفرض ضرائب جمركية
في ظل هذه الفوضى الاقتصادية، بدأ أصحاب الأعمال في مختلف الولايات الأميركية بتقديم عرائض إلى الكونغرس للمطالبة بتدخل عاجل لحماية السوق المحلية من السلع الأجنبية التي أغرقت الأسواق. كان الكونغرس الكونفدرالي آنذاك ضعيفًا ولا يملك الصلاحيات الكافية، مما جعل الاستجابة بطيئة ومحدودة.
وفي المقابل، كانت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى تفرض رسومًا مرتفعة على السلع الأميركية المستوردة، مما جعل تصدير المنتجات الأميركية أمرًا شبه مستحيل. هذا الخلل التجاري الواضح دفع السياسيين الأميركيين إلى البحث عن حلول حقيقية، وبرزت فكرة تمرير قانون للرسوم الجمركية كخطوة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد.
إقرار أول قانون جمركي في تاريخ أميركا
مع دخول الدستور الأميركي حيز التنفيذ، أصبح للكونغرس صلاحية فرض الضرائب الجمركية. ووسط انقسام بين نواب الشمال الصناعي الذين طالبوا برسوم مرتفعة لحماية صناعتهم، ونواب الجنوب الزراعي الذين فضلوا الرسوم المنخفضة لتسهيل الاستيراد، برز صوت النائب عن فرجينيا جيمس ماديسون كعامل ضغط رئيسي في تمرير القانون.
وفي 6 يوليو 1789، وقع الرئيس جورج واشنطن أول قانون جمركي في تاريخ الولايات المتحدة. وجاء هذا القانون تحت عنوان “قانون الرسوم الجمركية لعام 1789″، وكان الهدف منه:
- دعم الخزانة الوطنية بمداخيل ثابتة
- حماية الصناعة الأميركية الناشئة من المنافسة الأوروبية
- تنظيم التجارة وتحقيق التوازن الاقتصادي
وقد تم تحديد الرسوم على النحو التالي:
- 60 سنتًا لكل طن من السلع المستوردة عبر سفن أجنبية
- 30 سنتًا لكل طن تستورده سفن أميركية مُشغّلة بأطراف أجنبية
- 6 سنتات فقط لكل طن تُستورده سفن مملوكة لأميركيين
قانون الرسوم الجمركية 1789: حجر الأساس للاقتصاد الأميركي
لقد مثّل قانون الرسوم الجمركية 1789 أول تجربة فعلية للولايات المتحدة في استخدام السياسة الجمركية كأداة اقتصادية. وبالرغم من بساطة القانون مقارنةً بالقوانين الحديثة، فإنه كان نقطة انطلاق نحو تطوير اقتصاد مستقل، وأكثر قدرة على مواجهة الضغوط الأجنبية، مما ساعد في ترسيخ فكرة السيادة الاقتصادية إلى جانب السياسية.
اليوم، يُنظر إلى هذا القانون باعتباره حجر الأساس في بناء الاقتصاد الأميركي، ودليلًا على أهمية حماية المنتجات المحلية، لا سيما في المراحل الأولى من نشوء الدول المستقلة.
المصدر: www.alarabiya.net
