لم تعد العلاقات السعودية–السورية محصورة في البعد السياسي، بل بدأت تأخذ مسارًا اقتصاديًا تنمويًا واضحًا. فبعد الإعلان عن منحة سعودية قدرها 1.65 مليون برميل نفط خام لدعم تشغيل مصفاة بانياس، جاءت خطوة أخرى أكثر شمولًا عبر توقيع اتفاقية و6 مذكرات تفاهم بين شركات سعودية ووزارة الطاقة السورية، تشمل مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة والكهرباء. هذه التطورات تُشكل تحولًا استراتيجيًا يعزز مكانة سوريا في خريطة الطاقة الإقليمية، ويمنحها متنفسًا اقتصاديًا في مرحلة دقيقة.
المنحة النفطية: حل لأزمة عاجلة
المنحة السعودية النفطية البالغة 1.65 مليون برميل جاءت لتأمين عمل مصفاة بانياس، وتوفير الوقود للمركبات والقطاعات الحيوية.
أثر هذه الخطوة يتجلى في:
السعودية توقع مع سوريا اتفاقية لتوفير مليون و650 ألف برميل نفط خام وموفد العربية عبد الرحمن العصيمي يكشف التفاصيل #قناة_العربية pic.twitter.com/HiYiFkvca6
— العربية السعودية (@AlArabiya_KSA) September 11, 2025
- ضمان تدفق المشتقات النفطية مثل البنزين والديزل.
- دعم استمرارية عمل المصافي وتقليل كلفة الاستيراد.
- تعزيز استقرار السوق المحلي وتحريك عجلة الاقتصاد.
وبحسب خبراء، فإن هذه الكمية تكفي لتغطية جزء مهم من حاجة السوق السوري، ما ينعكس على استقرار الأسعار وتحسين الحياة اليومية للمواطن.
الاتفاقيات ومذكرات التفاهم: رؤية بعيدة المدى
على هامش معرض دمشق الدولي، وقعت السعودية اتفاقية و6 مذكرات تفاهم تغطي مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة:

1. الطاقة المتجددة (أكوا باور)
- تطوير مشاريع طاقة شمسية بطاقة تصل إلى 1000 ميغاواط.
- إنشاء محطات طاقة رياح بطاقة إنتاجية 1500 ميغاواط.
- أنظمة تخزين حديثة للطاقة الكهربائية.
2. الغاز والبترول
- تطوير وإنتاج حقول الغاز.
- حفر الآبار وصيانتها.
- تحويل الغاز الطبيعي إلى طاقة كهربائية.
3. الكهرباء والبنية التحتية
- إعادة تأهيل المحطات القائمة وتقديم عقود تشغيل وصيانة.
- تعزيز الشبكة الكهربائية السورية وضمان استقرارها.
- مشروعات نقل وتوزيع الكهرباء بدعم فني واستشاري سعودي.
استثمارات ضخمة في الأفق
هذه الاتفاقيات ليست منفصلة عن السياق الاستثماري العام، حيث شهد المنتدى الاستثماري السعودي–السوري الأخير توقيع 47 مشروعًا استثماريًا بقيمة تفوق 24 مليار ريال سعودي في قطاعات العقارات، السياحة، الاتصالات، الطاقة، والصناعة.
هذا الرقم يعكس رغبة جادة في إعادة دمج الاقتصاد السوري مع رؤوس الأموال العربية، وعلى رأسها السعودية.
أبعاد سياسية واقتصادية
- سياسيًا: تؤكد هذه الخطوات عودة سوريا التدريجية إلى محيطها العربي.
- اقتصاديًا: النفط يُلبي الاحتياجات العاجلة، بينما مشاريع الطاقة المتجددة تمثل مستقبلًا أكثر استدامة.
- اجتماعيًا: توفير الطاقة بشكل مستقر سينعكس على الخدمات الأساسية مثل النقل، التعليم، والصحة.
ردود الفعل
- الحكومة السورية: وصفتها بدعم استراتيجي سيساعد على التعافي الاقتصادي.
- المجتمع المحلي: رحّب بالخطوة لكنه طالب بآليات شفافة لتوزيع الفوائد بعيدًا عن الاحتكار.
- الخبراء: يرون أن الجمع بين النفط والطاقة المتجددة قد يغير مستقبل سوريا الطاقي على المدى البعيد.
هذه التطورات تعكس استراتيجية سعودية أوسع تسعى لخلق توازن بين دعم سوريا اقتصاديًا وضمان حضور قوي في ملف إعادة الإعمار. من منظور الطاقة، الانتقال من الاعتماد الكلي على النفط إلى تنويع مصادر الطاقة (الغاز، الشمس، الرياح) يضع سوريا على مسار جديد نحو أمن طاقي مستدام.
نظرة مستقبلية
- قصير المدى: استقرار إمدادات الوقود وتخفيف أزمة النقل والكهرباء.
- متوسط المدى: انطلاق مشاريع للطاقة المتجددة تفتح فرص عمل وتدعم الاستقلالية الطاقية.
- طويل المدى: تحول سوريا إلى سوق جاذب للاستثمارات العربية في الطاقة والبنية التحتية، وربطها بمشاريع إقليمية كبرى.
قد تكون هذه المرحلة بداية لولادة “شراكة سعودية–سورية للطاقة” تعيد رسم ملامح الاقتصاد السوري وتمنحه دفعة قوية نحو التعافي.
المصدر:
وكالة الأنباء السعودية (واس) – العربية – د.ب.أ