في مقالتنا السابقة «استطلاع الحقيقة في زمن الأكاذيب الرقمية» ناقشنا كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مفهوم المصداقية في العصر الرقمي، حيث باتت الأكاذيب تنتشر بسرعة الضوء، فيما تكافح الحقيقة لتجد لنفسها موطئ قدم.
واليوم، ومع إعلان إيلون ماسك عن تطوير روبوت غروك القادر على كشف الفيديوهات المزيفة وتتبع مصدرها، يبدو أننا نقترب خطوة من حلم «التحقق الآلي من الحقيقة» الذي تحدثنا عنه سابقًا — لكن هذه المرة بواقعية تقنية ملموسة.
فقد أعلن الملياردير إيلون ماسك مؤخرًا أن روبوت المحادثة الذكي “غروك” (Grok) — التابع لشركته xAI — سيحصل قريبًا على ميزة استثنائية تمكنه من تحليل الفيديوهات لكشف بصمات الذكاء الاصطناعي وتتبع مصدرها الأصلي عبر الإنترنت.
هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، حيث يشهد العالم انفجارًا في استخدام تقنيات “الديب فيك” (Deepfake) التي تُمكّن أي شخص من خلق محتوى واقعي ظاهريًا لكنه مزيف بالكامل، مما يثير تساؤلات أخلاقية وأمنية حول مستقبل المصداقية الرقمية.
غروك يدخل ميدان مكافحة التزييف
بحسب ماسك، ستتيح الميزة الجديدة لـ”غروك” القدرة على تحليل تدفق البيانات الخام للفيديو (bitstream) لاكتشاف أي نمط غير طبيعي أو بصمة رقمية تشير إلى تدخل الذكاء الاصطناعي.
الروبوت لن يكتفي بالتحليل السطحي، بل سيقارن البيانات الوصفية، ومسارات المصدر، والعلامات الرقمية المنتشرة في الويب لتحديد من أنشأ الفيديو، وأين نُشر أول مرة.
ويقول ماسك إن هذه التقنية قد تساعد في تقويض الحملات الرقمية التي تعتمد على الفيديوهات المفبركة لتشويه السمعة أو التلاعب بالرأي العام، وهو تحدٍ أصبح أكثر خطورة مع دخولنا عصر الفيديوهات التي لا يمكن تمييزها عن الحقيقة.
تزايد القلق من الفيديوهات المزيفة
خلال الأشهر الماضية، حذّر خبراء التكنولوجيا من خطر ما يُعرف بـ“الانتحال الرقمي”، إذ يمكن لأي جهة خلق فيديو يظهر فيه شخصٌ ما يقول أو يفعل شيئًا لم يحدث فعلاً.
أحد مستخدمي منصة X عبّر عن هذا القلق قائلاً:
“في المستقبل القريب، سيتمكن أي شخص يكرهك من صنع فيديو لك وأنت تفعل شيئًا فظيعًا، ولن تتمكن من إثبات أنه مزيف.”
رد ماسك كان حاسمًا: “غروك سيتولى هذه المهمة.”
xAI تتكامل مع منصة إكس
منذ إطلاقه في عام 2023، أصبح “غروك” أحد أعمدة مشروع ماسك الطموح لدمج الذكاء الاصطناعي في جميع أركان منصة X (تويتر سابقًا).
الروبوت بات يُستخدم للتحقق من صحة المنشورات، ويعمل حاليًا ماسك على دمجه في خوارزمية التوصيات لتقديم محتوى مخصص يعتمد على التحليل اللحظي لسلوك المستخدم.
ولم تتوقف طموحات ماسك هنا، إذ يخطط أيضًا لإنشاء منصة معرفية تحمل اسم “غروكيبيديا” (Grokipedia) لتكون منافسًا لويكيبيديا التقليدية، لكن مدعومة بتحليل الذكاء الاصطناعي.
لماذا هذه الخطوة مهمة؟
من الناحية التقنية، يمثل هذا الإعلان قفزة نحو “عصر التحقق الآلي من الحقيقة”.
فإذا نجح “غروك” في كشف الفيديوهات المزيفة بدقة، سيكون ذلك بداية نهاية عصر “الديب فيك” الذي أربك الإعلام والرأي العام وحتى المحاكم.
لكن من جهة أخرى، فإن امتلاك منصة واحدة (إكس) لهذه القوة التحليلية قد يثير مخاوف الخصوصية والاحتكار، خاصة إن تم استخدام الأداة لتتبع محتوى المستخدمين أو تقييد التعبير.
يتوقع الخبراء أن تتحول أدوات مثل “غروك” إلى معيار رقمي عالمي للتحقق من المصداقية، خصوصًا في الانتخابات، والإعلام، ومجالات الأمن السيبراني. ومع توسع الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى، فإن التحدي القادم سيكون: من يراقب من؟
قد تكون “غروك” أول محاولة فعلية لجعل الإنترنت أكثر شفافية… أو أكثر رقابة.