تكررت خلال السنوات الأخيرة تساؤلات الملايين حول ما إذا كان إنستغرام يستخدم الميكروفون للتجسس على المستخدمين واستهدافهم بالإعلانات.
لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا وذكاءً مما تبدو عليه: المنصة لا تستمع إلى حديثك، بل تحلل سلوكك الرقمي داخل التطبيق وخارجه لتتعرف على اهتماماتك بدقة مذهلة.
في هذه المقالة سنكشف كيف يفهم إنستغرام سلوكك دون أن يتجسس عليك، ولماذا تظهر لك الإعلانات “في الوقت المناسب” دون أن تكون الكاميرا أو الميكروفون متورطين في ذلك.
أسطورة “إنستغرام يستمع إليك”
السبب في انتشار هذه الفكرة هو ما يلاحظه المستخدمون من “مصادفات” مدهشة:
يتحدث أحدهم عن منتج معين، ثم يظهر له إعلان عنه بعد دقائق.
لكن وفقًا لتصريحات آدم موسيري، رئيس إنستغرام في شركة ميتا،
“نحن لا نستخدم الميكروفون للتجسس على المستخدمين. هذه إشاعة قديمة ومقززة.”
إعلان
وأوضح أن أنظمة الهواتف الحديثة (مثل iOS وأندرويد) تمنع أي تطبيق من استخدام الميكروفون دون إذن واضح من المستخدم، وتعرض إشعارًا مرئيًا عند تشغيله.
أي أن التطبيق لا يمكنه تشغيل الميكروفون بشكل مستمر دون علمك، لأن ذلك سيستهلك البطارية ويُخالف سياسات الخصوصية في العالم.
View this post on Instagram
كيف يجمع إنستغرام بياناتك دون اختراق خصوصيتك؟
إنستغرام لا يحتاج إلى “سماعك” ليعرف ما تفكر به، لأنه يعتمد على شبكة ضخمة من البيانات والسلوكيات الرقمية تُعرف باسم بيانات الطرف الثالث (Third-Party Data).
هذه البيانات تأتي من مواقع وتطبيقات أخرى تتعاون مع شركة ميتا من خلال أدوات مثل:
- Meta Pixel: كود برمجي تضيفه الشركات إلى مواقعها لتتبع الزوار وقياس فعالية الإعلانات.
- Facebook SDK: أداة مخصصة لتطبيقات الهاتف تسجل تفاعلات المستخدمين.
بمجرد زيارتك لموقع يستخدم هذه الأدوات، يتم إرسال إشارات إلى خوادم ميتا حول نشاطك الرقمي: المنتجات التي شاهدتها، الصفحات التي قرأتها، أو حتى الأزرار التي ضغطت عليها.
وعندما تفتح إنستغرام لاحقًا، تربط خوارزمية الإعلانات هذه الأنشطة بحسابك لتُظهر لك إعلانات ذات صلة.
مثال يوضح الأمر بشكل أعمق: من البحث إلى الإعلان
تخيل أنك دخلت إلى موقع تسوق مثل Zara وبحثت عن “حقيبة جلدية سوداء”.
بعد ساعات، وبينما تتصفح إنستغرام، يظهر لك إعلان عن حقيبة مشابهة.
هل تجسس التطبيق على حديثك؟
قطعًا لا.
الذي حدث هو أن موقع Zara يحتوي على Meta Pixel،
وبمجرد زيارتك، أُرسلت إشارة إلى ميتا بأنك مهتم بهذا النوع من المنتجات.
وبناءً على ذلك، عُرض الإعلان عليك داخل إنستغرام.
هذه العملية تحدث آليًا، دون أي تسجيل صوتي أو مراقبة شخصية.
داخل التطبيق: خوارزمية تعرفك أكثر مما تتوقع
حتى داخل إنستغرام نفسه، الخوارزمية تتعلم منك عبر آلاف الإشارات الصغيرة:
- المنشورات التي تتفاعل معها.
- الحسابات التي تبحث عنها.
- الوقت الذي تقضيه على كل فيديو.
- وحتى ما تحفظه للمراجعة لاحقًا.
كل ذلك يشكل ملفًا رقميًا غنيًا يُستخدم لتخصيص تجربتك، سواء في الإعلانات أو التوصيات.
بهذا المعنى، إنستغرام “يفهمك” من خلال سلوكك لا من خلال ميكروفونك.
هل هذا قانوني؟ ولماذا تسمح به الحكومات؟
نعم، هذه الممارسات قانونية ضمن إطار ما يسمى بـ سياسات الخصوصية وقوانين حماية البيانات (مثل GDPR الأوروبي).
الميزة هي أن المستخدمين يعرفون مسبقًا أن بياناتهم ستُستخدم للإعلانات المخصصة، ويمكنهم تعديل الإعدادات أو تعطيل التتبع من لوحة الخصوصية في التطبيق.
لكن النقاش الأخلاقي ما يزال قائمًا:
هل من المقبول أن تجمع الشركات كل هذه التفاصيل عن حياتنا الرقمية حتى لو لم “تتجسس” فعليًا؟
إلى أين تتجه ميتا؟ نموذج اشتراك بلا إعلانات
في محاولة لاستعادة ثقة المستخدمين، تختبر ميتا الآن نموذج اشتراك مدفوع يتيح استخدام إنستغرام وفيسبوك بدون إعلانات على الإطلاق في أوروبا.
بهذا الشكل، يمكن للمستخدمين اختيار ما إذا كانوا يريدون خدمة مجانية ممولة بالإعلانات، أو تجربة مدفوعة خالية من أي تتبع.
الذكاء الاصطناعي هو المستمع الحقيقي
في الواقع، الذي “يستمع” إليك ليس الميكروفون بل الذكاء الاصطناعي.
الخوارزميات اليوم قادرة على فهم نواياك واهتماماتك من خلال سلوكك اليومي على الإنترنت.
إنها لا تحتاج إلى كلماتك لتعرف ما تفكر به — بل تراقب أنماطك الرقمية لتتنبأ بخطوتك القادمة.
نظرة مستقبلية: الخصوصية في زمن البيانات المفتوحة
مع تطور الذكاء الاصطناعي واشتداد المنافسة بين المنصات، ستزداد أهمية الشفافية في كيفية استخدام بيانات المستخدمين.
ربما نرى مستقبلًا تتيح فيه إنستغرام لوحة تفاعلية توضّح للمستخدم كيف ولماذا تم عرض كل إعلان له.
المعادلة الصعبة التي ستستمر هي تحقيق التخصيص دون اختراق الخصوصية — وهي التحدي الأكبر لعصر البيانات الحديث.
المصدر:
تصريحات آدم موسيري (رئيس إنستغرام) – تقارير The Sun، BBC Tech، وبيانات الخصوصية من موقع Meta الرسمي.