الذكاء الاصطناعي والإعلانات الرقمية: كيف تتحكم الشركات في بياناتك؟
هل شعرت يومًا أن هاتفك يقرأ أفكارك؟ تبحث عن حذاء رياضي، فتُفاجأ بإعلانات الأحذية تغزو صفحاتك. تذكر في رسالة خاصة رغبتك بالسفر إلى المكسيك، فتنهال عليك عروض الفنادق في كانكون على إنستغرام. هذه ليست مصادفات، بل نتيجة مباشرة لثورة في عالم الإعلان الرقمي، يقودها الذكاء الاصطناعي.
كيف تجمع شركات الإعلانات بياناتك؟
وفقًا لتقرير نشرته مجلة نيوزويك، تستخدم شركات الإعلانات الكبرى تقنيات متطورة لتحليل سلوك المستخدمين بدقة مذهلة. في الماضي، كان تتبع الإعلانات يعتمد على “الكوكيز” أو تتبّع الأجهزة، أما اليوم، فالأمر يتجاوز ذلك. شركات مثل ببليكس غروب طوّرت أنظمة متقدمة مثل خرائط الهوية الرقمية، والتي تربط نشاط المستخدم عبر مختلف المنصات والأجهزة.
في عرض تقديمي على يوتيوب، أوضح آرثر سادون، الرئيس التنفيذي لإحدى كبرى شركات الإعلان، أن الشركات لم تعد تتعامل مع الأجهزة فقط، بل مع “أشخاص حقيقيين”. وأشار إلى أن نظام الذكاء الاصطناعي “كوري” (Cori) قادر على التفاعل مع 91% من البالغين المتصلين بالإنترنت حول العالم.
ما الذي تعرفه الشركات عنك؟
تستخدم الشركات قواعد بيانات ضخمة تحتوي على معلومات تفصيلية عن المستخدمين. على سبيل المثال، تعتمد ببليكس على قاعدة بيانات إيبسيلون، التي تضم بيانات 2.3 مليار شخص حول العالم، وتشمل:
- المحتوى الذي يشاهده المستخدم
- الأشخاص الذين يعيش معهم
- من يتابعه على وسائل التواصل الاجتماعي
- المشتريات التي يجريها سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر
- توقيت وأسباب اتخاذ قرارات الشراء
الأمر لا يقتصر على النشاط الرقمي، بل يمتد ليشمل 75% من المعاملات التي تتم داخل المتاجر الفعلية.
الإعلانات الذكية: هل نُصبح شخصيات رقمية مكشوفة؟
عرضت شركة ببليكس نموذجًا لشخصية افتراضية تُدعى “لولا”، تمثل مستخدمًا حقيقيًا ببيانات دقيقة. يمكن للنظام معرفة اهتماماتها، عاداتها الشرائية، وحتى إمكانية تغييرها لعلامة تجارية بسبب تغير الأسعار أو الدخل.
على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر العصير المفضل لديها وظل دخلها ثابتًا، يتوقع النظام أنها ستنتقل إلى علامة تجارية أرخص، فيتم تعديل الإعلانات التي تظهر لها وفقًا لذلك.
هل تستخدم الشركات الأخرى نفس التقنيات؟
نعم، شركات عملاقة مثل ميتا (فيسبوك وإنستغرام) وأدوبي تبنّت هذه التقنيات المتقدمة.
- ميتا طوّرت أدوات ذكاء اصطناعي لتحسين استهداف الإعلانات بشكل لحظي.
- أدوبي أطلقت إطارًا كاملاً لإدارة الحملات التسويقية باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بهدف تحسين تجربة المستخدم وتحقيق أرباح أعلى.
دان ديرن، المدير المالي لشركة أدوبي، صرّح مؤخرًا: “هدفنا أن يتأثر كامل دخل الشركة بالإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.”
ماذا عن الخصوصية؟
رغم أن المستخدمين لديهم خيارات لتعطيل التتبع، تشير تقارير إلى أن البيانات لا تزال تُجمع وتُستخدم بطرق مختلفة.
كشفت دراسة نُشرت عام 2022 على موقع أرشيف دون أورغ أن العديد من الشركات تستمر في معالجة وتبادل بيانات المستخدمين، رغم وجود قوانين صارمة مثل:
- اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا (GDPR)
- قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA)
وقالت النائبة البريطانية روث كادبري: “هناك حاجة لمزيد من الرقابة على الأنظمة التي تتعامل مع بيانات المستخدمين بهذا الحجم.”
هل فقدنا السيطرة على بياناتنا؟
اليوم، لم تعد الإعلانات تستند فقط إلى ما تنقر عليه، بل إلى آلاف الإشارات الرقمية التي تُجمع عنك يوميًا.
- الشركات ترى الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين التسويق وزيادة الكفاءة.
- النقاد يرونه وسيلة لمراقبة الأفراد وتوجيه سلوكهم الاستهلاكي بدقة غير مسبوقة.
بينما قد تكون هذه التقنيات قد حوّلت الإعلانات إلى “محادثات شخصية”، فإن السؤال الحقيقي يبقى: إلى أي مدى نتحكم في بياناتنا وهوّياتنا الرقمية؟
