قصة الأب وابنتيه: كيف تكشف الحياة عن حكمة التوازن في التفكير
نحن نؤمن بأن الأمور تسير كما يشاء الله لا كما نشاء نحن، تأتي بعض القصص البسيطة لتوقظ فينا أعظم المعاني. ومن تلك القصص ما رواه رجل عن زيارته لابنتيه، والتي كانت كفيلة بأن تعيد ترتيب أولويات التفكير، وتفتح لنا بابًا لفهم النفس والآخر بطريقة أعمق.
زيارة تكشف وجهين لعملة واحدة
قرر الرجل أن يزور ابنتيه بعد عام من الزواج، وبدأ بزيارة ابنته الأولى، زوجة الفلاح. استقبلته بحفاوة وسعادة، لكنه عندما سألها عن حالها قالت:
“زوجي استأجر أرضًا، واستدان ثمن البذور، فإن أمطرت السماء، فنحن بخير، وإن لم تمطر، فسنقع في مصيبة.”
بعدها توجه لزيارة ابنته الثانية، زوجة صاحب مصنع الفخار، التي استقبلته هي الأخرى بسعادة وفرح. وعندما سألها عن الحال، قالت:
“زوجي اشترى ترابًا بالدين، وصنع منه فخارًا يحتاج للشمس ليجف. فإن لم تمطر، فنحن بخير، وإن أمطرت، فسيتلف كل شيء.”
إعلان
المطر.. مصدر النجاة أو الهلاك؟
حين عاد الأب إلى منزله، سألته زوجته عن أحوال بناته، فأجاب بجملة تختصر حكمة الحياة:
“إن أمطرت، فاحمدي الله. وإن لم تمطر، فاحمدي الله.”
لقد كان كلا الوضعين متضادين تمامًا، ومع ذلك لم يكن في يديه حيلة لتغيير ما كتب الله. هذه المفارقة فتحت باب التأمل: ما يُسعد طرفًا قد يُحزن طرفًا آخر. وما يُعد نعمة هنا، قد يكون نقمة هناك. إنها الحياة، لا تسير بمنطق واحد.
الاختلاف لا يعني الخطأ.. بل يدل على التنوع
كثير من خلافاتنا في الحياة لا تعود إلى “نية سيئة”، بل إلى “تفسير سيء”. فنحن نميل أحيانًا لتأويل الكلام حسب ما نحب أو نكره، لا حسب ما قُصد فعلاً. وبهذا نخلق المعارك من لا شيء، ونخسر من نحب بسبب ظنون.
كما ورد في القصة:
“مقصود لم يُفهم، أو مفهوم لم يُقصد.”
مفتاح التوازن: استفسر، أحسن الظن، ولا تحكم سريعًا
في كل موقف غامض أو مؤلم، تذكر هاتين الخطوتين:
- استفسر عن القصد: لا تعتمد على ما سمعت فقط، بل اسأل الشخص مباشرة.
- أحسن الظن: لا تحكم من أول كلمة، ولا تجعل الشك أساس العلاقة.
العبرة: لا تخن التفسير إن خان التعبير
قال الرجل الحكيم:
“إذا خانك التعبير، فلا تخونني بالتفسير.”
نعيش اليوم في زمن تنتقل فيه الكلمات بسرعة، وتُفهم خارج سياقها بسهولة، لذا أصبح من الضروري أن نرتقي بطريقة تفكيرنا قبل أن نحكم على الآخرين.
خاتمة: سر السعادة في فهم الحياة بتوازن
تعلم من هذه القصة أنك لن تستطيع إرضاء الجميع في الوقت ذاته، ولا ضمان النتائج مهما أحسنت النية. لكن ما يمكنك فعله دائمًا هو فهم الأمور بعقل متزن، وقلب متسامح. فبعض الظن إثم، وبعض الكلمات تحتاج تفسيرًا قبل أن نحكم عليها.
ارتقِ بتفكيرك، تنعم بحياتك، ولا تحرم أحدًا من حقه في أن يُفهم قبل أن يُدان.
