أصبح البحث عبر الإنترنت أكثر من مجرد كتابة كلمات والضغط على “بحث”. مع إطلاق جوجل لوضع الذكاء الاصطناعي، تحوّل هذا الفعل اليومي إلى محادثة حقيقية، حيث يمكنك طرح أسئلة معقّدة، متابعة حوارات، حتى حجز تذاكر أو مواعيد، كلها دون مغادرة نافذة المتصفح. هذا التغيير ليس ترفاً، بل يُعدّ مؤشّراً على ما سيشهده الإنترنت خلال السنوات القادمة.
ما هو “وضع الذكاء الاصطناعي”؟
وضع الذكاء الاصطناعي (AI Mode) هو وضع بحثي جديد من غوغل، تم تصميمه ليقدّم للمستخدمين إجابات مخصّصة، تفاعلية، ومبنية على تحليل عميق للمحتوى عبر الإنترنت، وليس مجرد قائمة روابط زرقاء تقليدية.
أبرز ملامحه
- يسمح بطرح أسئلة معقّدة أو متعددة الأبعاد مثل: «ما الفرق بين …»، «كيف يمكنني …» ثم متابعة الحوار بأسئلة إضافية.
- يعتمد على الذكاء الاصطناعي من نموذج Gemini (وليس الإصدار العادي من البحث) مع قدرات استنباط واستفسار متعددة.
- يدعم مدخلات متعددة (نص، صوت، صور) ويُفَكّر في خلفية السؤال ليقدّم إجابة مخصّصة.
- في تجارب حديثة، تم إدراج قدرات “وكيلية” بحيث يقوم النظام بحجوزات أو تنفيذ مهام بناءً على ما تطلب.
لماذا هذا التغيير مهم؟
1. تغيّر جذري لطريقة الوصول إلى المعلومات
بدلاً من التنقّل عبر صفحات متعددة، يحصل المستخدم على إجابة مركّزة مع روابط داعمة — ما يقلّل من وقت البحث ويزيد من سرعة الفهم.
2. تأثير مباشر على صناعة المحتوى وSEO
بحسب تقرير Wired، قد تؤدّي هذه التجربة إلى تراجع عدد النقرات على المواقع التقليدية، مما يستدعي من صُنّاع المحتوى التكيّف لأجل البقاء.
3. دخول عصر البحث التفاعلي
المستخدم لم يعد مجرد مستلم لمعلومة، بل شريك في محادثة. يُمكنه الاستفسار، التوضيح، التوسعة — كما لو كان يتكلّم مع مساعد ذكي.
أمثلة عملية وتجارب مستخدمين
- في الولايات المتحدة بدأت ميزة “حجز مطعم” عبر AI Mode، حيث المستخدم يطلب «طاولة لثلاثة مساء الجمعة في منطقة كذا»، ويظهر له الخيارات فوراً.
- على Reddit، كتب أحد المستخدمين:
“I use AI Mode for about half of my searches.”
ما يعكس تفضيل بعض المستخدمين للتجربة الجديدة بدل البحث التقليدي. - بالرغم من ذلك، واجه بعض المستخدمين أخطاء في إجابات النظام في المراحل الأولى، كما ذكر تقرير Wired حول مشاكل دقة المعلومات.
ماذا يعني ذلك لك؟
من وجهة نظري، هناك نقطتان مهمّتان يجب أن تأخذها بعين الاعتبار:
- كمُنتج محتوى أو مسوّق رقمي: ستحتاج إلى إعادة النظر في استراتيجيتك. ظهور إجابة مباشرة في وضع الذكاء الاصطناعي يعني أن الزوار قد لا يزورون موقعك. لذلك، التركيز يجب أن يتحول من جذب نقرات إلى بناء الثقة والتميّز عبر محتوى مميّز، تحليلي، يصنع الفارق.
- كمُستخدم: لقد أصبح لديك أداة تتطلّب مهارات جديدة: كيف تطرح السؤال بشكل ذكي؟ كيف تتابع؟ كيف تحقّق من المصادر؟ ببساطة، القدرة على الحوار تصبح أهم من إدخال الكلمات فقط.
التحدّيات التي تنتظر هذا التحوّل
- دقة النتائج: رغم التطوّر، ما يزال هناك احتمال للخطأ أو “هلوسة” من الذكاء الاصطناعي.
- تبعات على صناعة المحتوى: المواقع التي اعتمدت فقط على الزيارات من البحث قد ترى تراجعاً، ما يستدعي نماذج دخل جديدة.
- خصوصية البيانات: كلما أصبحت الأداة أكثر تفاعلية وشخصية، زاد حجم المعلومات التي تجمعها الشركات — الأمر الذي قد يثير تساؤلات لدى المستخدمين.
- اعتماد المستخدمين: قد تتحوّل عادة البحث العادية إلى عادة جديدة، الأمر الذي يحمل فرصاً ومسؤوليات في آن.
نظرة مستقبلية: ما الذي يُتوقّع؟
- انتشار أوسع: يبدو أن الغوغل تُخطّط لطرح وضع الذكاء الاصطناعي في عدد أكبر من الدول واللغات خلال الأشهر المقبلة.
- تكامل أكبر مع المتصفح: ليس فقط في نتائج البحث، بل في متصفح كروم نفسه، حتى تصبح كل تبويبة مجرد نافذة لحوار ذكي.
- مهام أوتوماتيكية أكثر: الحجز، الشراء، التنظيم الشخصي — أن يصبح البحث ذكياً ليس فقط في الإجابة، بل في التنفيذ.
- تحول في الـ SEO: بدلاً من التنافس على المركز الأول في جوجل، سيتحوّل التنافس إلى كيف تكون المحتوى مصدراً يُعتمد عليه في الذكاء الاصطناعي، كيف يُطرح السؤال ويوجه الذكاء الاصطناعي نحو موقعك.
- بالنسبة لك كمستخدم/قارئ: ابقَ على وعي بأن الأداة الجديدة قوية، لكنها ليست بديلاً عن التفكير البشري؛ تصبح المسؤول عن صياغة السؤال، التنبّه للإجابات، والتحرّي عن المصادر.
إذاً، ما تأثير ذلك عليك؟ يعني أنك الآن في موقع مُفعّل: إما أن تكيّف نفسك مع تجربة البحث القادمة، أو تظلّ متأخّراً وهي تشقّ طريقها لنمط الاستخدام الطبيعي للجميع.
المصدر:
- مدونة غوغل
- تقرير Wired عن آراء المستخدمين والتحديات.
