كلنا نحلم بتلك اللحظة. إشعار البريد الإلكتروني الذي يغير كل شيء، أو الأرقام المتطابقة على الشاشة التي تعد بنهاية الديون وبداية حياة من الرفاهية المطلقة. إنه الحلم الأمريكي في نسخته الحديثة، حلم الفوز بالجائزة الكبرى في اليانصيب. لكن ماذا لو كان هذا الحلم قريبًا جدًا لدرجة أنك تستطيع لمسه، ثم يتبخر في جزء من الثانية بسبب رقم واحد؟ هذه ليست قصة خيالية، بل هي الواقع المحير الذي عاشه داريل ستينهوف، الرجل الذي اختبر صدمة الفوز باليانصيب ولكن بنكهة مختلفة تمامًا.
من فرحة البريد الإلكتروني إلى واقع الثروة المفاجئة: قصة رجل كاد أن يلمس السماء
في ولاية كارولاينا الشمالية، كان داريل يعيش حياة عادية، ربما تشبه حياتك وحياتي. كان يشتري تذاكر Powerball مثل الملايين غيره، مدفوعًا بذلك الأمل الخافت في تغيير مصيره. الأرقام التي اختارها لم تكن عشوائية؛ بل كانت تحمل قيمة عاطفية، مستوحاة من أفراد عائلته. وفي أحد الأيام، وصل الإشعار المنتظر. بريد إلكتروني يخبره بأنه فائز.
للوهلة الأولى، كانت الفرحة لا توصف. “كنت في غاية السعادة ولم أصدق ما حدث”، هكذا وصف شعوره. لقد اتصل بزوجته وابنته على الفور ليشاركهم الخبر الذي سيغير حياتهم. ولكن بعد التدقيق، تكشّفت الحقيقة الكاملة: لقد طابقت تذكرته خمسة أرقام من أصل ستة. الرقم الوحيد الذي خانه، رقم Powerball، فصله عن جائزة تاريخية تبلغ 1.2 مليار دولار. وبدلاً من ذلك، كان نصيبه جائزة “ترضية” بقيمة 2 مليون دولار، بفضل دولار إضافي دفعه لمضاعفة الجائزة.
وهنا يكمن جوهر الحكاية: هل الفوز بمليوني دولار هو “جائزة ترضية” أم ربح جائزة مليونية بحد ذاته؟
سيكولوجية “الكاد”: هل الاقتراب من الحلم أكثر إيلامًا؟
من منظور نفسي، تعتبر تجربة داريل مثالاً صارخًا على ما يعرف بـ “تأثير الاقتراب من الهدف” (Near-Miss Effect). تشير الدراسات إلى أن الاقتراب الشديد من الفوز الكبير يمكن أن يكون أكثر إحباطًا من الخسارة بفارق كبير. لماذا؟ لأن العقل البشري يبدأ فورًا في بناء سيناريوهات “ماذا لو؟”. “ماذا لو اخترت الرقم 5 بدلاً من 6؟”. هذه الفكرة تخلق مرارة يصعب التغلب عليها، وقد تطغى أحيانًا على حلاوة الفوز الفعلي.
في الواقع، يرى 22% من الفائزين باليانصيب أن حياتهم لم تتحسن، بل ساءت. غالبًا ما يكون السبب هو الضغط الهائل للثروة المفاجئة. وبالتالي، يمكن القول إن فوز داريل بمبلغ 1.4 مليون دولار (بعد خصم الضرائب) قد يكون نعمة مقنّعة. إنه مبلغ يغير الحياة بالتأكيد – يكفي لشراء منزل الأحلام في كلايتون وتأمين المستقبل – ولكنه ليس ضخمًا لدرجة تدمير العلاقات الاجتماعية أو جذب الأصدقاء المزيفين أو تعريض صاحبه لخطر الإفلاس السريع، وهو مصير واجهه 70% من الفائزين بالجوائز الكبرى خلال سنوات قليلة.
مليار دولار من المشاكل أم مليونان من الحلول؟
دعونا نحلل الأمر بواقعية. الفوز بـ 1.2 مليار دولار ليس مجرد رقم، بل هو تحول جذري يفرض عليك تعيين مدراء ماليين، محامين، وحراس شخصيين. إنه يجبرك على تغيير هويتك تقريبًا لحماية نفسك وعائلتك. على النقيض من ذلك، فإن مبلغ المليوني دولار يوفر الحرية المالية دون فوضى المليارات. إنه يسمح لك بتحقيق أحلام ملموسة، مثل شراء منزل جديد، بدلاً من إغراقك في عالم من الخيارات اللامتناهية التي قد تؤدي إلى الشلل والتعاسة.
قصة داريل ستينهوف ليست مجرد قصة عن الحظ العاثر، بل هي دعوة للتفكير في تعريفنا للثروة والنجاح. في عالم مهووس بالأرقام القياسية والجوائز المليارية، تعلمنا قصته أن الفوز الحقيقي قد لا يكون في الوصول إلى القمة، بل في الحصول على ما يكفي لجعل الرحلة أفضل وأكثر استقرارًا. في نهاية المطاف، هو لم يخسر 1.2 مليار، بل ربح مليوني دولار لم تكن في حسبانه. وهذا بحد ذاته فوز يستحق الاحتفال.
المصدر:
The Independent, North Carolina Education Lottery
