لطالما كان البيض المسلوق وجبة بسيطة ومحبوبة حول العالم، لكن الحصول عليه بالقوام المثالي كان دائمًا تحديًا. فكم مرة أردت صفارًا كريميًا غنيًا، فحصلت على صفار جاف ومتفتت؟ أو بياضًا متماسكًا وطريًا، فكانت النتيجة بياضًا مطاطيًا؟ يبدو أن البحث عن طهي البيض المثالي قد وصل أخيرًا إلى نهايته، والفضل يعود إلى فريق من العلماء الذين لم يستخدموا أدوات طهي فاخرة، بل استخدموا مبادئ الفيزياء.
المشكلة الكلاسيكية في سلق البيض تكمن في طبيعته المزدوجة؛ فبياض البيض وصفاره هما مادتان مختلفتان تمامًا تتطلبان درجات حرارة متباينة للوصول إلى قوامهما الأمثل. حيث يبدأ الصفار في التماسك عند حوالي 65 درجة مئوية ليصبح كريميًا، بينما يحتاج البياض إلى حرارة أعلى تصل إلى 85 درجة مئوية ليصبح متماسكًا دون أن يفقد طراوته. لذلك، عند استخدام الطرق التقليدية، نكون دائمًا أمام خيار صعب: إما صفار مثالي وبياض سائل، أو بياض مثالي وصفار مفرط في النضج.
ولكن، ماذا لو كان بإمكاننا التحكم في درجة حرارة كل جزء من البيضة على حدة؟ هذا هو بالضبط ما تفعله تقنية “الطهي الدوري” (Cyclic Cooking).

الفكرة بسيطة ومبتكرة:
بدلًا من غمر البيضة في ماء يغلي باستمرار، يتم نقلها بشكل دوري بين وعاءين: أحدهما يحتوي على ماء يغلي (100 درجة مئوية) والآخر يحتوي على ماء دافئ (30 درجة مئوية). وجدت الدراسة أن نقل البيضة كل دقيقتين لمدة 32 دقيقة تقريبًا يؤدي إلى نتيجة مذهلة.
لماذا تنجح هذه الطريقة؟
عند وضع البيضة في الماء المغلي، تنتقل الحرارة بسرعة عبر البياض. وقبل أن تصل هذه الحرارة العالية إلى الصفار وتفسده، يتم نقل البيضة إلى الماء الدافئ. هذه “الاستراحة” تسمح للحرارة بالتوزع ببطء داخل البيضة، مما يرفع درجة حرارة الصفار تدريجيًا حتى يستقر عند درجة الحرارة المثالية (حوالي 67 درجة مئوية)، وهي الدرجة التي تمنحه قوام الكَسترد الكريمي. في هذه الأثناء، يكون البياض قد تعرض لحرارة كافية ليتماسك تمامًا دون أن يصبح قاسيًا. إنها أشبه بعملية “نبض” حراري دقيق ومحسوب.
أكثر من مجرد مذاق رائع: فوائد غذائية غير متوقعة المفاجأة لم تكن في القوام فقط. فقد كشفت التحالILS الكيميائية أن البيض المطهو بهذه الطريقة يحتوي على نسبة أعلى من “البوليفينولات”، وهي مركبات مضادة للأكسدة مفيدة للصحة. السبب في ذلك هو أن الحرارة العالية والمستمرة في الطهي التقليدي تدمر هذه المركبات الحساسة. بينما يسمح الطهي الدوري بالحفاظ عليها، مما يجعل هذه أفضل طريقة لسلق البيض ليس فقط من حيث المذاق، بل من حيث القيمة الغذائية أيضًا.
هل تستحق التجربة؟
قد تبدو فكرة نقل بيضة بين وعاءين لمدة نصف ساعة أمرًا معقدًا لوجبة بسيطة. لكنها في الحقيقة تمثل نقلة نوعية في فهمنا لعلوم الغذاء. إنها تثبت أن الطهي ليس مجرد اتباع وصفة، بل هو تفاعل كيميائي وفيزيائي يمكن التحكم فيه للوصول إلى نتائج استثنائية. بالنسبة لعشاق الطعام والباحثين عن الكمال في المطبخ، هذه الطريقة ليست مجرد وصفة، بل هي تجربة علمية ممتعة.
وتشير الإحصائيات إلى أن الشخص العادي يستهلك ما يقرب من 200-250 بيضة سنويًا. تخيل تحسين جودة كل هذه الوجبات بتغيير بسيط في طريقة الطهي. علاوة على ذلك، لاقت الفكرة استحسانًا كبيرًا بين الطهاة الهواة والمحترفين على حد سواء. حيث علق أحدهم على منصات التواصل الاجتماعي قائلًا: “لقد غيرت هذه الطريقة نظرتي للبيض تمامًا. لم أكن أعرف أن الصفار يمكن أن يكون بهذا القوام الغني”.
في الختام، قد لا تكون هذه الطريقة مناسبة لوجبة فطور سريعة في يوم عمل. لكنها بالتأكيد تستحق التجربة في عطلة نهاية الأسبوع لتكتشف بنفسك كيف يمكن للعلم أن يحول أبسط المكونات إلى طبق لا يُنسى.