يُعَدُّ صلاح الدين الأيوبي واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ الإسلامي؛ فقد برز باسمه اللامع في معركة حطين سنة 1187 م، وحُفر اسمه في ذاكرة الشعوب بتحريره القدس من الصليبيين. في هذا المقال سنغوص في حياته ومسيرته، وأبرز معاركه.
نشأة صلاح الدين الأيوبي وبداياته
وُلد يوسف بن أيوب بن شاذي، الشهير بـ صلاح الدين الأيوبي، سنة 1137 م في تكريت بالعراق. انتقلت أسرته الكردية إلى الموصل ثم إلى حلب لتخدم تحت راية عماد الدين زنكي. ثم نور الدين محمود. تلقّى الشاب علوم القرآن والحديث والفروسية، وتعلّم فنون الحرب والإدارة. برزت موهبته العسكرية مبكرًا حين شارك مع عمّه أسد الدين شيركوه في الحملات على مصر. ما مهّد الطريق لظهوره كقائد فذ.
تولّي حكم مصر وتوحيدها مع الشام
بعد وفاة الخليفة الفاطمي العاضد (1171 م)، ألغى صلاح الدين الأيوبي الخلافة الفاطمية الشيعية وأعاد مصر إلى الخلافة العباسية السنية، فوضع أسس الدولة الأيوبية. أدرك أن أمن المشرق يتطلّب وحدة الصف. فعمل على ضم اليمن وبرقة والحجاز، ثم اتجه شمالًا لإخضاع حلب والموصل سلْمًا أو حربًا. محقّقًا حلم «جبهة إسلامية واحدة» في مواجهة الصليبيين.
معركة حطين واستعادة القدس
بلغت عبقريته العسكرية ذروتها في معركة حطين (4 يوليو 1187 م). استدرج جيوش مملكة القدس إلى السهل القاحل، فقطع عنهم الماء وأحرق الأعشاب، فانهارت قواهم. فتح هذا الانتصار الطريق أمامه إلى بيت المقدس، فدخلها في 2 أكتوبر 1187 م وسلمت المدينة إليه دون مجزرة. إذ منح الصليبيين الأمان مقابل الفدية وأطلق الفقراء مجانًا، مضربًا مثلًا في الفروسية.
الحملة الصليبية الثالثة
أثار سقوط القدس غضب أوروبا، فقاد ريتشارد قلب الأسد والإمبراطور فريدريك بربروسا الحملة الصليبية الثالثة. ورغم تفوقهم البحري والتكنولوجي، صمد صلاح الدين الأيوبي أمام حصار عكا ومعارك أرسوف وجافا. وانتهت الحرب بهدنة الرملة (1192 م) التي ضمنت للمسلمين السيادة على القدس، والسماح للحجاج المسيحيين بزيارتها، مؤكدة دهاءه السياسي مثل براعته العسكرية.
إدارة الدولة وسمات شخصيته
عُرف القائد بزهده وعدله؛ كان يفتتح نهاره بقراءة القرآن، ويراقب الأسعار في الأسواق، ويأمر بإغاثة المنكوبين. أنشأ المدارس النظامية، وخصّص الأوقاف للمستشفيات، وعمّر القلاع (قلعة القاهرة وقلعة دمشق). تميّز أيضًا بسماحته؛ فقد أرسل طبيبه اليهودي موسى بن ميمون لعلاج خصومه المرضى، مُرسخًا صورة الفارس النبيل.
إرث صلاح الدين الأيوبي الحضاري
ترك رحيله في 4 مارس 1193 م فراغًا كبيرًا، لكنه خلّف وراءه دولة قوية امتدَّت من مصر إلى الأناضول، وألهمت ملوك الشرق والغرب. استُلهِمَت سيرته في الآداب الأوروبية مثل «القصة المنقذة» (The Talisman) لوالتر سكوت، كما نُقشت تماثيله أمام أسوار دمشق والقاهرة، شاهدةً على مكانته في الذاكرة الجمعية.
أسئلة شائعة حول صلاح الدين الأيوبي
من هو صلاح الدين الأيوبي وماذا فعل؟
هو يوسف بن أيوب، قائدٌ كردي أسّس الدولة الأيوبية، وحّد مصر والشام، وهزم الصليبيين في معركة حطين واستعاد القدس.
من الذي قطع رأس صلاح الدين الأيوبي؟
لم يُقطَع رأسه مطلقًا؛ فقد مات مريضًا في دمشق ودُفن فيها، ويبدو السؤال نتاج خلط مع قصص خيالية.
صلاح الدين الأيوبي هل هو سني أم شيعي؟
كان سنّيًا على المذهب الشافعي، وأعاد مصر من الحكم الفاطمي الشيعي إلى الخلافة العباسية السنية.
ماذا قال الرسول عن صلاح الدين الأيوبي؟
لا يوجد حديث نبوي صحيح يذكر صلاح الدين بالاسم، إذ توفي الرسول ﷺ قبل ولادته بقرون؛ لكن علماءَ العصرِ شبّهوا جهاده بمدح النبيِّ ﷺ للمرابطين.
كم عدد زوجات صلاح الدين الأيوبي؟
تزوّج أربع مرات وفق المصادر، منهن عصمت الدين خاتون ابنة نور الدين محمود، ولم يجمع بين أكثر من اثنتين في وقت واحد.
كيف مات صلاح الدين الأيوبي؟
توفي بعد إصابته بحمّى شديدة استمرت أيامًا، وفاضت روحه في قلعة دمشق عن 56 عامًا، وُجد عند وفاته 47 درهمًا فقط، دليل زهده.
العبرة
تمكّن صلاح الدين الأيوبي بذكائه الحربي وحنكته السياسية من تغيير خريطة الشرق الأوسط، وأعاد للأمة ثقتها بنفسها وزرع بذور نهضة قادمة. تبقى سيرته نموذجًا يُحتذى به في القيادة والتسامح، ورسالةً بأن وحدة الصف والإيمان بالهدف قادران على صناعة المعجزات.
