في مشهدٍ يعكس قلق الأسواق العالمية، واصل الذهب ارتفاعه التاريخي متجاوزًا حاجز 4000 دولار للأونصة، ليسجل مستوى غير مسبوق منذ بدء تداول المعدن النفيس في الأسواق الحديثة. هذا الصعود اللافت جاء مدفوعًا بموجة من الإقبال على الملاذات الآمنة وسط تزايد التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، إلى جانب توقعات بخفض إضافي لأسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
رهان المستثمرين على الفيدرالي وضعف الدولار
يرى المحللون أن الأسواق دخلت مرحلة جديدة من “الإيمان بالذهب”، إذ بات يُنظر إليه كخيار أكثر استقرارًا مقارنة بالدولار والسندات الأمريكية.
يقول تاي وونغ، أحد المتداولين البارزين في أسواق المعادن:
“السوق يبحث الآن عن الرقم الكبير التالي وهو 5000 دولار، خاصةً مع توقع استمرار الفيدرالي في خفض الفائدة خلال الأشهر المقبلة.”
ويضيف أن التوترات الممتدة في الشرق الأوسط وأوكرانيا قد تُحدث بعض التراجع المؤقت، لكن العوامل الجوهرية الداعمة للذهب — كضعف الدولار وارتفاع الديون العالمية وتنويع الاحتياطيات — ما تزال قوية على المدى المتوسط.
الإغلاق الحكومي الأمريكي يعزز الطلب على الذهب
لم يكن الإغلاق الحكومي الأمريكي مجرّد حدث سياسي، بل عاملًا محفّزًا جديدًا لصعود الذهب. فمع دخول الإغلاق يومه السابع، توقفت مؤشرات اقتصادية مهمة عن الصدور، ما أجبر المستثمرين على البحث عن ملاذات آمنة، في مقدمتها المعدن الأصفر.
يتوقع المستثمرون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، مع خفض آخر محتمل في ديسمبر، وهو ما يدعم مزيدًا من الطلب على الذهب ويقلل من جاذبية السندات والدولار.
المخاوف الجيوسياسية تدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة
من اليابان إلى فرنسا، تغذي الاضطرابات السياسية موجة الطلب العالمي على الذهب. يقول كايل رودا من شركة Capital.com:
“انتخاب ساناي تاكايتشي في اليابان والتوقعات بزيادة الإنفاق بالعجز، ساعدا في تسريع ما يُعرف في الأسواق بـ‘الاستثمار في اقتصاد مشتعل’، وهو ما يصب في مصلحة الذهب حاليًا.”
البنوك المركزية ترفع مشترياتها
خلال عامي 2024 و2025، واصلت البنوك المركزية بقيادة الصين والهند وتركيا شراء كميات ضخمة من الذهب لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار، وهو ما عزز الأسعار بشكل ملموس. كما شهدت صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات قياسية، مع عودة الاهتمام المؤسسي بالمعدن الأصفر بعد فترة طويلة من الانحسار.
أداء الذهب في جلسات التداول الأخيرة
عند تسوية تعاملات الثلاثاء، ارتفعت العقود الآجلة لتسليم ديسمبر بنسبة 0.70% لتسجل 4004.40 دولار للأونصة، فيما وصل السعر الفوري إلى 4017 دولارًا.
كما ارتفعت المعادن الثمينة الأخرى:
- الفضة: 48.44 دولارًا (+1.3%)
- البلاتين: 1657.33 دولارًا (+2.4%)
- البلاديوم: 1368.68 دولارًا (+2.3%)
تأثير الارتفاع على الأسواق الإقليمية
في الشرق الأوسط، لا سيما في تركيا ودول الخليج، بدأ هذا الارتفاع ينعكس على أسعار المجوهرات والسبائك الصغيرة. التجار يشيرون إلى زيادة في الطلب المحلي رغم ارتفاع الأسعار، مدفوعة برغبة الأفراد في التحوط من تراجع العملات المحلية أو التضخم المستورد. أما البنوك المركزية العربية، فقد أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أنها رفعت احتياطاتها الذهبية بنحو 7% خلال النصف الأول من 2025.
نظرة مستقبلية
يرى خبراء أن رحلة الذهب لم تنته بعد. ففي ظل تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتزايد ديون الحكومات، إلى جانب استمرار التوترات العالمية، من المرجح أن يحافظ الذهب على مساره الصاعد. لكن البعض يحذر من تصحيح محتمل قصير المدى إذا أقدم المستثمرون على جني الأرباح قرب هذه المستويات التاريخية.
وفي المحصلة، يبدو أن المعدن الأصفر يسير بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة من الهيمنة، عنوانها:
“عصر الذهب كعملة الثقة الأخيرة في عالم متقلب.”
المصادر:
- وكالة رويترز
- موقع Investing
- مجلس الذهب العالمي (World Gold Council)
