في الساعات الأولى من صباح هذا الأسبوع، غطت السماء فوق كييف أصوات الانفجارات وصفارات الإنذار. لم يكن المشهد عابرًا، بل كان أكبر هجوم جوي روسي منذ بداية الحرب: أكثر من 823 طائرة مسيرة وصاروخًا انطلقت نحو العاصمة الأوكرانية، مستهدفة مبنى حكومي رئيسي وبنى تحتية مدنية وحيوية. هذا التصعيد الضخم لم يكن مجرد حدث عسكري، بل رسالة استراتيجية تهز موازين الصراع.
تفاصيل الهجوم
بحسب السلطات الأوكرانية، نجحت الدفاعات الجوية في اعتراض جزء كبير من المسيرات والصواريخ، لكن العشرات منها أصابت أهدافها، ما أدى إلى:
- تضرر مبنى حكومي مركزي وسط كييف.
- انقطاع الكهرباء عن عدة أحياء سكنية.
- إصابة العشرات من المدنيين بجروح متفاوتة.
- تدمير جزئي لمحطات طاقة ومخازن إمداد.
ورغم أن أوكرانيا طورت قدراتها الدفاعية بمساعدة غربية، إلا أن حجم الهجوم غير المسبوق جعل من المستحيل اعتراضه بالكامل.
تطور أساليب الحرب: من المدفعية إلى الطائرات المسيرة
منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، اعتمدت روسيا في البداية على المدفعية الثقيلة والقصف الجوي التقليدي. لكن مع مرور الوقت، برزت الطائرات المسيرة كأداة رئيسية لتغيير قواعد اللعبة.
- عام 2023: استخدام محدود للمسيرات في الاستطلاع.
- عام 2024: تصاعد دور المسيرات الهجومية في استهداف البنية التحتية للطاقة.
- عام 2025: اعتماد واسع على هجمات المسيرات المتزامنة مع الصواريخ، كما في هذا الهجوم الأخير.
هذا التحول يضع العالم أمام عصر جديد من الحروب التكنولوجية، حيث تُدار المعارك عن بعد، وتصبح السماء ساحة مزدحمة بالآلات الطائرة بدل الطيارين.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية
وراء الأرقام والتقارير العسكرية، هناك قصص إنسانية موجعة:
- آلاف العائلات قضت الليلة في الملاجئ تحت الأرض.
- أطفال حُرموا من مدارسهم بسبب انقطاع الكهرباء.
- أعمال وشركات توقفت عن الإنتاج ليوم كامل على الأقل.
اقتصاديًا، قدّر خبراء أوكرانيون أن خسائر هذا الهجوم وحده تتجاوز مئات الملايين من الدولارات، ضمن إجمالي خسائر تجاوزت 700 مليار دولار منذ بداية الحرب.

رد روسيا: تصريحات موسكو بعد التصعيد الجوي
في رد رسمي، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن الهجوم الذي وقع الليلة الماضية – والذي وُصف بأنه الأكبر خلال الحرب – استهدف أهدافًا عسكرية فقط داخل أوكرانيا. وذكرت موسكو أنها استخدمت “أسلحة عالية الدقة” لضرب مواقع مثل مصانع الأسلحة، القواعد الجوية، مرافق التصنيع والوجستيات ومخازن الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى مواقع تدريب قوات أوكرانية.
هذه التصريحات تأتي في سياق محاولة موسكو تصوير الضربات على أنها ضربات عسكرية مبررة وليست ضد المدنيين أو البنية التحتية الحكومية، رغم وقوع أضرار على مبنى حكومي مركزي في كييف وسقوط ضحايا مدنيين
ردود الفعل الدولية
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: أدانا الهجوم بشدة وأعلنا الإسراع في تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاعية متطورة مضادة للمسيرات.
- الأمم المتحدة: عبّرت عن قلقها من استهداف المدنيين والمنشآت الحكومية، مؤكدة أن هذه الهجمات قد ترقى إلى “جرائم حرب”.
- الصين والهند: اكتفتا بالدعوة إلى ضبط النفس والعودة للحوار، دون إدانة مباشرة لموسكو.
- الناتو: أعلن أنه سيسرع من تدريب القوات الأوكرانية على أنظمة تشويش متقدمة قادرة على تعطيل أسراب المسيرات.
نظرة مستقبلية
الهجوم الروسي الأخير على كييف ليس مجرد تصعيد عابر، بل رسالة استراتيجية مفادها أن موسكو باتت ترى في المسيرات سلاح استنزاف طويل المدى.
ماذا يُتوقع؟
- استمرار روسيا في شن هجمات ضخمة باستخدام المسيرات.
- تسريع الغرب دعم أوكرانيا بأنظمة متطورة لاعتراض الطائرات بدون طيار.
- زيادة المخاطر على المدنيين، مع احتمال توسع دائرة الصراع إذا فشلت الدبلوماسية.
هذا الحدث يذكّرنا بأن مستقبل الحروب لن يكون بالضرورة دبابات وجيوش جرارة، بل معارك تدار عبر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. القمر الصناعي، الخوارزمية، والطائرة المسيرة قد تصبح الأدوات التي تعيد رسم خرائط النفوذ في القرن الحادي والعشرين.