ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية لا تزال تنبض في وجدان أوروبا؛ إذ يَحكي سبعة رجال ونساء تتراوح أعمارهم بين 85 و 100 عام عن أيام النار والرماد ثم لحظة الارتياح الساحرة مساء 8 مايو 1945. علاوة على ذلك، يأتي إحياء الذكرى الـ80 هذا العام وسط احتفالات رسمية في لندن وبرلين وباريس. بينما يتراجع عدد الناجين عالمياً إلى ما بين 300 و 500 ألف فقط، من بينهم نحو 66 ألفاً في الولايات المتحدة لذلك، تبدو شهاداتهم كنوافذ أخيرة على زمنٍ يوشك على الإفلات من الذاكرة.
لماذا تظل ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية مهمة اليوم؟
بعد ثمانية عقود، تحوّل يوم النصر الأوروبي إلى منصة تذكير جماعية بأن السلام لا يُورَّث تلقائياً؛ بل يُصان بالوعي والدبلوماسية. خلال المراسم الأخيرة في وستمنستر آبي، وقف الملك تشارلز إلى جانب 78 مخضرماً. بينما أضاء حفيد وينستون تشرشل شمعة سلام رمزية. في دلالة واضحة على أن التاريخ ما زال يصوغ الحاضر.
ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية: فرحة يوم النصر تغمر لندن
- تتذكر دوروثيا بارون (100 عام) كيف دوّت صفارات النيران المضادة للطائرات فوق لندن، ثم كيف امتلأت الشوارع بالغناء والرقص عندما فتح السكان النوافذ وأضاؤوا المصابيح من دون تغطيتها بالستائر السوداء.
- أما اليوم، فتدعم بارون صندوق “أبطالنا” الذي يموّل رحلات المحاربين القدامى، وتؤمن بأن الامتنان الحقيقي يظهر من خلال الأفعال لا الأقوال.
شهادات مؤلمة من قلب ألمانيا
إرْمغارد مولر (96 عاماً) رأت الطائرات البريطانية تحلّق منخفضةً إلى حد أنها ميّزت وجوه الطيارين، قبل أن تسقط القنابل على نورتهايم وتقتل صديقتها وأسرتها. بعد ذلك، بدأت تقايض السجّاد والعطر بحبات البطاطس لتطعم عائلتها. هي تُحذّر اليوم من أن الحرب في أوكرانيا تُثبت عجزنا عن التعلم الكامل من الماضي.
طفولة خُطفت في فيينا
نيك تريدويل (87 عاماً) لجأ مع أمه إلى خزانة تحت الدرج هرباً من القصف، بينما أخذ الجنود الأمريكيون يوزعون العلكة على الأطفال. إلا أنه أُرسل إلى مدرسة داخلية صارمة كي “يصبح رجلاً”، لتطوي الحرب صفحة طفولته سريعاً. هذه القصة تذكّرنا بأن ما بعد الحرب يمكن أن يكون صعباً مثل أيامها الساخنة.
معارك شرسة وهدوء مرير على الجبهة البولندية
شارك الملازم جوزيف كفياتكوفسكي (98 عاماً) في معركة حامية فقد خلالها رفيقه “تاديك” في لحظة خاطفة، وشعر بصدمة عميقة عندما ساد الصمت المطلق بعد إعلان الاستسلام. اليوم، يقلقه أن صمتاً مشابهاً قد لا يحل قريباً في شرق أوروبا.
خوف البلطيق: عندما تلاحقت القنابل فوق إستونيا
في الخامسة، رأت آسا سارنيك (85 عاماً) شظايا القنابل اليدوية تتطاير فوق سياج بيتها، بينما تبادلت القوات السوفيتية والألمانية السيطرة على إستونيا. على الرغم من تقدمها في العمر، تعود تلك المشاعر كلما شاهدت أخبار الصراعات المعاصرة.
مراهقون في قلب برلين المحترقة
ارتدى هانز مونشبيرغ (95 عاماً) زيّ قوات الأمن الخاصة في سن الخامسة عشرة، وشارك في معركة برلين حيث فقد ثلث زملائه حياتهم خلال أسابيع قليلة. وما زال يحتفظ بحقيبة جلدية تلطخ دم صديقه عليها، ليجعل منها رمزاً يذكّره دائماً بوجع الماضي.
مجاعة بوخارست وما بعدها
الصحفي الروماني فيكتور بيتيغوي (98 عاماً) عاش قصف الحلفاء ثم مجاعة 1946. بالنسبة له، لم يكن سقوط هتلر نهاية الألم؛ بل بداية صراع جديد مع الاحتلال السوفيتي والجوع.
دروس معاصرة من ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية
إن القصص السابقة تكشف ثلاثة دروس متداخلة:
- السلام يحتاج صيانة: كل بطل شدد على ضرورة منع الحروب الاستباقية.
- الإنسانية فوق الانتماءات: المقايضة بطعام أو خبز بين أعداء الأمس توضح أن حاجات البشر واحدة.
- حفظ الذاكرة مسؤولية مشتركة: مع تراجع عدد المحاربين الأحياء، علينا توثيق شهاداتهم رقمياً وميدانياً قبل فوات الأوان.
أسئلة شائعة حول ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية
كم يبلغ عدد المحاربين القدامى الأحياء حالياً؟
تشير التقديرات الحديثة إلى وجود ما بين 300 إلى 500 ألف ناجٍ من الحرب العالمية الثانية حول العالم. ويُقدّر أن نحو 66 ألفاً منهم يعيشون في الولايات المتحدة فقط. مع مرور الوقت، تتناقص أعدادهم بسرعة، مما يجعل شهاداتهم أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لماذا يُحتفل بيوم النصر الأوروبي في 8 مايو؟
يُعتبر يوم 8 مايو 1945 هو التاريخ الرسمي لانتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حين أعلنت ألمانيا النازية استسلامها غير المشروط لقوات الحلفاء. لتنتهي بذلك سنوات من الحرب الدموية على الأراضي الأوروبية.
ما أبرز الذكريات التي يتشاركها الناجون؟
غالباً ما يسترجع الناجون لحظات الخوف التي عاشوها أثناء الغارات الجوية، ويحدثوننا عن معاناتهم مع نقص المواد الغذائية وفقدان أحبّائهم، كما يصفون فرحتهم بيوم النصر، عندما سمحت لهم الظروف أخيرًا بالخروج من الملاجئ وإضاءة المصابيح دون خوف.
كيف يمكن للأجيال الشابة المساهمة في حفظ هذه الذاكرة؟
يجب أن تتحمّل الأجيال الجديدة مسؤولية حفظ هذه الذكريات، فيبادر الشباب إلى مقابلة الناجين وتسجيل شهاداتهم، ثم يشاركون القصص في المدارس والمنصات الرقمية، لضمان بقاء هذه الروايات حيّة حتى بعد رحيل أصحابها.
خاتمة ورأي شخصي
بصفتي كاتباً يهتم بالتوثيق، أرى أن ذكريات الناجين من الحرب العالمية الثانية تُنذرنا دائماً بالخطر؛ فالساسة يُشعلون شرارة الحروب بخطاباتهم التقسيمية، والناس هم من يدفعون الثمن عبر الجثث والنزوح والجراح النفسية التي تتركها المعارك في أعماقهم. ولهذا تملك الدول الواعية خياراً أفضل: أن تستثمر طاقاتها في الدبلوماسية لمنع النزاعات قبل أن تندلع. فلنعمل—اليوم قبل الغد—على تحويل أصوات هؤلاء المسنين إلى مناهج تعليمية حية، حفاظاً على سلامٍ دفعوا هم ثمنه باهظاً.
المصدر : غارديان
