في خطوة تاريخية، انتُخب الدكتور خالد العناني ليدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للفترة 2025–2029، ليصبح أول عربي يتبوأ هذا المنصب الرفيع، وثاني أفريقي في التاريخ بعد السنغالي أمادو محتار مبو (1974–1987).
الانتخاب جاء بعد تصويت المُجسّد في المجلس التنفيذي لليونيسكو، الذي أيد ترشيح العناني بأغلبية 55 صوتًا مقابل صوتين لمنافسه إدوارد فيرمين ماتوكو من الكونغو؛ ولم تشارك الولايات المتحدة في التصويت.
وسيُعرض التعيين لاحقًا على الجمعية العامة لليونيسكو في نوفمبر 2025 للموافقة النهائية.
كيف ترشح العناني؟ مسار الدعْم والتحالفات
الخلفية الأكاديمية والمسار المهني
- يُعرف العناني بأنه أستاذ في علم المصريات بجامعة حلوان منذ عام 1993، وله بحوث ودور نشط في الساحة الأكاديمية الدولية.
- يُحمل شهادة الدكتوراه في علوم المصريات من جامعة پول فاليري مونبلييه 3 بفرنسا، وهو أيضًا حاصل على أوسمة دولية في الفن والثقافة.
- شغل مناصب وزارية وطنية، منها وزير الآثار، ووزير السياحة والآثار، مما أكسبه خبرة تنفيذية وسياسية.
الدعم العربي والإقليمي
منذ إعلان الترشيح في أبريل 2023، عملت مصر على بناء جبهة دعم عربية وأفريقية واسعة:
- الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي أعلنا دعمهما الرسمي للترشيح.
- دول مثل نيجيريا اعتمدت رسميًا دعمها له أثناء فعاليات منتدى مصري-نيجيري.
- حتى جمهورية الكونغو، من دولة المنافس، أعلنت لاحقًا تأييدها لموقف الترشيح المصري، ضمن التوازن الإقليمي.
عرض الرؤية وحملة الانتخاب
خلال حملته، قدّم العناني رؤية تستند إلى محاور مثل:
- جعل التعليم حقًا أساسيًا للجميع، لا سيما في البلدان النامية.
- التركيز على حماية التراث الثقافي، خاصة في مناطق النزاع.
- الدمج بين التكنولوجيا والثقافة لدعم التنمية المستدامة والتعاون الثقافي.
كما حكمت الاستعدادات على أن يكون عرضه أمام أعضاء المجلس التنفيذي قد حظي بردود فعل إيجابية في باريس، لعمق تصوراته ومراجعة برنامجه.
ماذا يعني انتخابه لليونيسكو؟
رمزية كبيرة ودلالة استراتيجية
انتخاب العناني يرسّخ فكرة أن الدول العربية والأفريقية قادرة على قيادة منظمات عالمية كبرى. في خضم تحديات تتعلق بالتوازن الثقافي والتمثيل الجغرافي داخل المنظمات الدولية، يُعد هذا الفوز بمثابة صفعة رمزية للهيمنة التقليدية للدول الكبرى.
فرصة للتجديد وإحياء المنظمة
اليونسكو منذ سنوات تعاني من أزمات مالية وإدارية، وتحديات في العنونة والتمويل. فمثلاً، الولايات المتحدة كانت تمثل نحو 8% من ميزانية المنظمة، وقد أعلنت انسحابها مرة أخرى، الأمر الذي قد يضع عبئًا على ميزانيتها عند تنفيذ سحب التمويل في أواخر 2026.
الآن أمام العناني فرصة لإعادة تفعيل التعاون الدولي، جذب شركاء جدد، وترميم ثقة الدول الأعضاء في قدرة المنظمة على التأثير والتطوير.
تحديات داخلية وخارجية
- داخليًا في مصر، هناك أصوات تنتقد أداء مؤسسات التراث والتشييد الأثري، وتسأل إن كان العناني قد تعامل مع الملفات الكبرى بفاعلية.
- على الصعيد الدولي، عليه التعامل مع انسحاب الدول الكبرى (مثل الولايات المتحدة) وضغوط التمويل والحياد بين الدول ذات المصالح المتعارضة.
- كما سيحتاج إلى إيجاد توازن بين الثقافة والتعليم والتنمية، لتجنب أن تتحول اليونسكو إلى منظمة “رمزية” تفتقر إلى الفعل الواقع.
وجهة نظري الخاصة
أرى أن فوز العناني فرصة كبيرة إذا استطاع أن يترجم شعاراته إلى خطوات عملية ملموسة: كإعادة هيكلة التمويل، وإطلاق مشاريع مشتركة بين الدول النامية، والتركيز على التعليم الرقمي والثقافة في مناطق النزاعات. لن يكون الطريق سهلاً، لكن إذا نجح في ذلك، فقد تكتسب اليونسكو جرعة حياة جديدة وتستعيد دورها كمنظمة قادرة على التأثير المفيد في العالم.
ما الذي قد يحدث؟ نظرة مستقبلية
- صراع التمويل والحفاظ على الاستقلال: مع انسحاب واشنطن المتوقع للتمويل في 2026، ستُختبر قدرة العناني على تعويض هذا العجز من دول أخرى أو مؤسسات غير حكومية.
- تعزيز الدور العربي-الإفريقي داخل اليونسكو: قد يستخدم منصبه لتقوية صوت البلدان النامية في صُنع السياسات، لا سيما في اللجنة التراثية والتعليمية.
- إطلاق مبادرات جديدة: من المتوقع أن يقترح برامج للشباب، المشاريع الرقمية، والمحافظة على التراث في الدول التي تعاني من النزاعات.
- ردود دولية وحساسية سياسية: ستُراقب الولايات الكبرى والدول المنافسة خطواته، وقد تواجهه انتقادات من دول ترى أنه يتجاوز حدود النفوذ أو يميل في التمثيل.
- تقييم الأداء في الميدان: بعد نحو سنتين أو ثلاث، سيُحسب له ما إذا فعّلت اليونسكو خططه، أم بقيت شعارات تحتها واقع محدود.
بهكذا، يليه سؤال: هل سيكون العناني قادراً على إحياء دور اليونسكو في القرن الحادي والعشرين، أم ستظل المنظمة أسيرة تحديات التمويل والتأثير؟ المستقبل وحده سيكشف.
المصدر:
- Reuters (انتخاب اليونسكو)
- ويكيبيديا (سيرة خالد العناني)
- وسائل إعلام عربية ومصرية (تفاصيل الترشيح والدعم)