حضارة المايا من أكثر الحضارات إثارة للدهشة والفضول في تاريخ البشرية. امتدت هذه الحضارة العظيمة في مناطق متفرقة من أمريكا الوسطى، وبالرغم من امتلاكها لعلوم وفنون متقدمة، فإن ارتباطها بفكرة نهاية العالم عام 2012 أثار موجة من الجدل العالمي. في هذه المقالة سوف نتعرّف على أسرار حضارة المايا وكيف نشأت أسطورة نهاية العالم، بالإضافة إلى الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة مثل: من هي حضارة المايا؟ وهل حضارة المايا هم الهنود الحمر؟ وما هو سر اختفاء حضارة المايا؟ وأين يقع هرم المايا؟ سنقدم هذه المعلومات بأسلوب احترافي ومناسب لمحركات البحث المتقدمة، لضمان وصولها إلى أوسع شريحة من القرّاء المهتمين.
من هي حضارة المايا؟
تُعد حضارة المايا إحدى أعرق الحضارات التي ظهرت في منطقة تعرف اليوم بشبه جزيرة يوكاتان وأجزاء أخرى من أمريكا الوسطى، وتعود بداياتها إلى ما قبل أكثر من 2000 عام. تميّزت حضارة المايا بتطوّر لافت في مجالات عدة، على رأسها علم الفلك والرياضيات والعمارة والزراعة والكتابة. برع المايا في ابتكار تقاويم دقيقة للغاية، وكانوا يمتلكون نظام كتابة معقدًا يعتمد على الرموز (الهيروغليفية)، وهو ما جعلهم قادرين على توثيق الأحداث الفلكية والزمنية بشكل مدهش. تلك السجلات هي التي أسهمت في بناء الأسطورة الشهيرة حول نهاية العالم.
لقد كانت مجتمعات حضارة المايا تتركز في مدن كبيرة ومزدهرة، مثل تيكال في غواتيمالا وبالنسبة لبعض الروايات فإن عدد سكان تلك المدن قد تخطى المليون نسمة. امتلك المايا نظامًا اجتماعيًا وسياسيًا مُعقدًا، إذ كانت السلطة الدينية والسياسية تتوزع بين الملوك والكهنة، ولعبت الطقوس الدينية دورًا أساسيًا في حياة الشعب اليومية. وعندما نتحدث عن حضارة المايا، فإننا بالضرورة نستحضر تطوّرهم المعماري المدهش، حيث شيّدوا الأهرامات والمعابد في قلب الغابات الاستوائية الكثيفة.
هل حضارة المايا هم الهنود الحمر؟
عندما يُشار إلى مصطلح “الهنود الحمر”، فإنه غالبًا ما يُقصد به السكان الأصليون للقارة الأمريكية قبل وصول كريستوفر كولومبوس في نهاية القرن الخامس عشر. إن لفظ “الهنود الحمر” هو اسم واسع يشمل عشرات وربما مئات الشعوب والقبائل التي عاشت في القارة الأمريكية من الشمال إلى الجنوب. في هذا السياق، يمكن اعتبار المايا جزءًا من السكان الأصليين لأمريكا الوسطى، لكنهم ليسوا وحدهم. فحضارة المايا تُعد واحدة من أبرز الحضارات القديمة في المنطقة، شأنها شأن حضارة الأزتك في المكسيك، وحضارة الإنكا في بيرو، وغيرها من الحضارات.
بعبارة أخرى، المايا هم من السكان الأصليين لهذه المنطقة، أي أنهم ينتمون إلى ما يُعرف بالعالم الجديد قبل الاستعمار الأوروبي. لذا، إن سألت “هل حضارة المايا هم الهنود الحمر؟” فإن الإجابة الدقيقة هي أنهم شعوب أصليون من ضمن مجموعات مختلفة، فمصطلح “الهنود الحمر” عام جدًا وغير محدّد، في حين أن “المايا” يُشير تحديدًا إلى جماعة لها لغة وثقافة وتاريخ مميز.
ما هو سر اختفاء حضارة المايا؟
ربما أكثر ما يثير الحيرة لدى المؤرخين والباحثين هو السؤال حول سبب أو سر اختفاء حضارة المايا من الواجهة واندثار مدنهم الكبرى. فعلى الرغم من أن شعوب المايا لم تختفِ تمامًا – لا يزال هناك آلاف من أحفاد المايا يعيشون في أجزاء من غواتيمالا والمكسيك وهندوراس وبليز ويتحدّثون لغات المايا القديمة – إلا أن ازدهار هذه الحضارة في مناطقها المركزية تقلّص بشكل ملحوظ بعد فترة الذروة التي استمرت بين القرنين الثالث والتاسع الميلادي.
يُرجع بعض الباحثين اختفاء مدن المايا الضخمة إلى جملة من العوامل، من أهمها:
-
التغيّرات المناخية والجفاف: تشير دراسات جيولوجية إلى وجود حالات جفاف شديدة ضربت المنطقة خلال تلك الفترة، وأثّرت على الزراعة ومصادر المياه، مما أجبر السكان على ترك المدن بحثًا عن أماكن أفضل للعيش.
-
الاستنزاف البيئي: يُعتقد أن التوسّع السكاني والأنشطة الزراعية المكثفة وقطع الأشجار لتوفير المساحات للبناء والأخشاب للوقود، أدّت إلى تدهور التربة وندرة الموارد الطبيعية.
-
الصراعات الداخلية والحروب: كانت مدن المايا تعيش في حالة تنافس شديد، وغالبًا ما اندلعت حروب بين الممالك المجاورة، مما أضعف البنية السياسية والاقتصادية.
-
عوامل سياسية واجتماعية: تمرّد الطبقات الأدنى وفقدان الثقة بالسلطة الدينية والسياسية قد يكونان من بين الأسباب التي ساهمت في انحسار سلطة الملوك والكهنة.
لا يوجد اتفاق تام بين المؤرخين حول عامل واحد محدد، ولكن يُرجّح أن تداخل هذه الأسباب مجتمعة أدى إلى انحسار الحضارة وترك العديد من المدن الكبرى مهجورة وسط الغابات الكثيفة.
أين يقع هرم المايا؟
هناك العديد من الأهرامات التي شيدتها حضارة المايا، لكن أشهرها على الإطلاق هو هرم “إل كاستيو” في مدينة تشيتشن إيتزا الواقعة في شبه جزيرة يوكاتان شمال شرقي المكسيك. تُعتبر تشيتشن إيتزا من أهم المواقع الأثرية في حضارة المايا، وقد أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. يتميز هرم إل كاستيو (أو معبد كوكولكان) بتصميم هندسي مذهل، حيث يرتبط بعدد من الظواهر الفلكية، أشهرها ظاهرة “الثعبان المتعرج” التي تحدث مرتين في السنة خلال الاعتدالين الربيعي والخريفي.
إلى جانب تشيتشن إيتزا، تنتشر هياكل معمارية هرميّة أخرى في مناطق مختلفة من نفوذ حضارة المايا، مثل تيكال في غواتيمالا، وكوبان في هندوراس، وبالينكي في المكسيك. تتميز جميع هذه المعالم بتصاميم معمارية تعكس التقدّم الهندسي والفلكي للمايا، حيث صُممت لاستقبال الأشعة الشمسية بطرق تحاكي أحداثًا فلكية مهمة في ثقافتهم ودياناتهم.
أسطورة نهاية العالم وعام 2012
يرتبط اسم حضارة المايا في الذاكرة الشعبية الحديثة بتنبؤٍ مفترض حول “نهاية العالم” في 21 ديسمبر 2012. ترجع هذه الأسطورة إلى تقويم المايا المعروف بـ”التقويم الطويل”، إذ اعتقد البعض خطأً أن دورة زمنية في التقويم ستنتهي تمامًا في ذلك التاريخ، مما يعني بالضرورة نهاية العالم. ولكن الحقيقة العلمية والتاريخية تُشير إلى أن المايا كانوا يحسبون الزمن في دورات متكررة، تُسمّى كل دورة منها “باكتون”، وعند اكتمال إحداها تبدأ دورة جديدة. بعبارة أخرى، فإن 21 ديسمبر 2012 كان يمثل نهاية دورة وبداية دورة أخرى، وليس نهاية وجود العالم.
يرى الباحثون أن هذا الفهم الخاطئ لتقويم حضارة المايا قد أتى نتيجة تفسير مبالغ فيه للنصوص القديمة، وربما ارتبط أيضًا بشغف الناس بتصوّر أحداث كونية كبرى أو قفزات زمنية متطرفة. إضافةً إلى ذلك، أسهمت وسائل الإعلام والأفلام السينمائية في ترويج فكرة الكارثة الكونية المحتومة، ما زاد من شهرة “نبوءة المايا” في أوساط الجمهور العام.
ماذا نستلهم من حضارة المايا؟
-
الابتكار العلمي والمعماري: لعل أبرز ما يمكن استخلاصه من حضارة المايا هو قدرتهم الفريدة على دراسة الفلك وابتكار تقاويم شديدة الدقة، بالإضافة إلى بناء مدن مدهشة في بيئات جغرافية صعبة.
-
التعايش مع الطبيعة: على الرغم من أن بعض الأسباب المحتملة لانهيار مدن المايا ترتبط بسوء إدارة الموارد الطبيعية، إلا أنهم تمكنوا لمئات السنين من استغلال البيئة المحيطة بهم والزراعة في التربة الاستوائية بطريقة كانت تلائم أسلوب حياتهم.
-
التوثيق والكتابة: تطوير نظام كتابة هيروغليفية متقدّم مكّنهم من حفظ سجلّات سياسية ودينية واجتماعية دقيقة. أهمية الكلمة المكتوبة في نقل المعرفة لا تزال ماثلة أمامنا كإرث ثقافيّ وحضاريّ.
-
الهوية والاستمرارية: على الرغم من أفول عصر البناء العظيم واندثار الإمبراطوريات، فإن شعوب المايا لا تزال حاضرة بثقافتها وعاداتها وتقاليدها في عدد من المناطق. وهذا دليل على أن الهوية لا تنتهي بسقوط الممالك أو تخلي الأجيال عن مدنهم الأصلية.
خاتمة
في النهاية، تبقى حضارة المايا واحدة من أكثر الحضارات القديمة إبهارًا وإثارةً للجدل، فقد عاشت قرونًا من الازدهار، وأنشأت معالم هندسية فريدة لا تزال محط اهتمام الباحثين والسياح على حد سواء. إن أسطورة نهاية العالم لعام 2012 تعود جذورها إلى التفسير الخاطئ للتقويم الطويل، والذي يعكس في الحقيقة فهمًا عميقًا للكون ودوران الزمن لدى المايا. وبينما نستمر في اكتشاف المزيد عن أسرار التقاويم ومعارف المايا، يظل سر اختفاء المدن الكبرى محل نقاش وجدل أكاديمي. ولا شك أن هذا المزيج من الغموض والإنجازات العلمية والمعمارية يجعل من حضارة المايا واحدة من أكثر الصفحات إثارة في سجل تاريخ البشرية.

[…] حضارة المايا لم تكن مجرد قبائل بدائية، بل امتلكوا تقويمًا فلكيًا متقدمًا سمح لهم بتوقع الخسوف والكسوف بدقة مذهلة، دون أي تكنولوجيا حديثة. كما أنهم اخترعوا مفهوم الصفر في الرياضيات، قبل الأوروبيين بقرون! […]