أعادت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عقب الهجوم الإسرائيلي على مقرات حماس في الدوحة، الجدل حول حقيقة الموقف الأميركي. ففي الوقت الذي أكد فيه أن القرار اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شدد على أن “القصف الأحادي في قطر لا يخدم أهداف لا أميركا ولا إسرائيل”. لكن ترامب لم يخفِ أيضًا دعمه لفكرة “القضاء على حماس” واعتبرها هدفًا نبيلًا. هذا التباين يكشف بوضوح استمرار واشنطن في ممارسة اللعبة السياسية المزدوجة بين إرضاء حليفها الإسرائيلي والحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع قطر.
التبرؤ من قرار الهجوم
ترامب حاول أولًا التنصل من المسؤولية المباشرة، موضحًا أن القصف كان قرارًا إسرائيليًا منفردًا. أراد بذلك أن يبعث برسالتين:
- للداخل الأميركي: أنه لم يُعطِ الضوء الأخضر لإسرائيل، وبالتالي لا يمكن تحميله كلفة سياسية.
- لقطر: أن الولايات المتحدة لم تخن تحالفها معها، وأن الهجوم لم يكن ثمرة تنسيق مشترك.
لكن، هل يكفي هذا التبرؤ لإقناع الدوحة؟ خصوصًا بعد أن نفت الخارجية القطرية علمها بأي إنذار مسبق، معتبرة أن الاتصال الأميركي جاء فقط أثناء وقوع الانفجارات.
خطاب مزدوج — اللعبة مستمرة
رغم محاولة التبرؤ، أكد ترامب أن القضاء على حماس هدف نبيل، مما يعكس ازدواجية واضحة:
- من جهة، يبرر لإسرائيل دوافعها الأمنية ويبرر القصف.
- ومن جهة أخرى، يصف الضربة بأنها “لا تخدم مصالح أميركا ولا إسرائيل”.
هذا الخطاب المتناقض يعيد إنتاج نفس “اللعبة المزدوجة” التي تحدثنا عنها سابقًا: واشنطن لا تريد أن تخسر إسرائيل ولا أن تصطدم مع قطر.
خطوة استرضاء لقطر
من أبرز النقاط في خطاب ترامب إعلانه عن توجيه وزير الخارجية ماركو روبيو لإتمام اتفاقية تعاون دفاعي مع قطر.
هذه الخطوة تبدو بمثابة “تعويض دبلوماسي” أو رسالة تطمين للدوحة، تهدف إلى:
- الحفاظ على الثقة القطرية، خاصة أن قطر تستضيف قاعدة العديد الجوية، أكبر قاعدة أميركية في المنطقة.
- ضمان استمرار دور الوساطة القطري في ملفات غزة والرهائن.
بمعنى آخر، واشنطن تقول لقطر: “رغم ما حدث، نحن ملتزمون بعلاقتنا معكم”.
بين الخوف والاستراتيجية
يبقى السؤال: هل تصريحات ترامب نابعة من خوف من خسارة قطر كحليف أم أنها مجرد جزء من لعبة سياسية مزدوجة؟
- الدلائل تشير إلى أن الأمر مزيج من الاثنين: هناك خشية حقيقية من أن يضعف التحالف مع الدوحة إذا شعر القطريون بأنهم تُركوا وحدهم أمام العدوان.
- لكن في الوقت نفسه، ما زالت واشنطن تلتزم بالخطاب المزدوج: تبرئة نفسها من قرار نتنياهو، مع الاستمرار في تأييد الهدف النهائي لإسرائيل.
تصريحات ترامب لم تُنهِ التناقضات، بل زادت المشهد تعقيدًا. فهي تكشف عن استراتيجية أميركية قائمة على مسك العصا من المنتصف: إرضاء إسرائيل بخطاب داعم، وتهدئة قطر بخطاب اعتذاري واتفاقيات دفاعية.
النتيجة النهائية: صورة مشوشة عن واشنطن، تثير شكوكًا حول مدى قدرتها على لعب دور الوسيط النزيه في المنطقة، وتطرح تساؤلات أعمق عن مستقبل علاقاتها مع شركائها في الخليج.
المصدر:
- وكالة رويترز
- واشنطن بوست
- الجزيرة
- Metalsy — تحليل وتحرير