تخيل أن تستيقظ ذات صباح، وتتخلى عن نظارتك أو عدساتك اللاصقة إلى الأبد، ليس بعد عملية جراحية معقدة، بل بعد إجراء بسيط لا يستغرق أكثر من دقيقة واحدة. هذا الحلم الذي كان يراود الملايين حول العالم قد يصبح حقيقة في وقت أقرب مما نتوقع، بفضل تقنية ثورية تُعرف باسم “إعادة التشكيل الكهروميكانيكي” (EMR)، والتي تعد بتقديم تصحيح النظر بدون ليزر، وبشكل قد يكون أكثر أماناً وفعالية.
ما وراء الخوف من الليزك: لماذا نحتاج إلى بديل؟
لعقود من الزمن، مثّلت جراحة الليزك الحل الأمثل للكثيرين ممن يعانون من قصر النظر أو طوله أو الاستجماتيزم. وعلى الرغم من نجاحها الباهر، إلا أن فكرة “الجراحة” في حد ذاتها تظل مصدراً للقلق. فالليزر يقوم بإزالة جزء دقيق من نسيج القرنية بشكل دائم لتعديل شكلها، وهو إجراء لا رجعة فيه ويحمل بعض المخاطر النادرة مثل جفاف العين أو وهج الرؤية الليلية. علاوة على ذلك، فإن التكلفة المرتفعة للعملية تمنع الكثيرين من إجرائها. ومن هنا، انطلق البحث عن بديل الليزك الذي يتجنب المشرط والليزر تماماً.
تقنية EMR: العلم يلتقي بالبساطة
في تطور مذهل تم الكشف عنه خلال اجتماع الجمعية الكيميائية الأمريكية، قدم فريق من الباحثين من كلية أوكسيدنتال وجامعة كاليفورنيا تقنية EMR الواعدة. بدلاً من قطع أو تبخير أنسجة القرنية، تستخدم هذه الطريقة مبدأ كيميائياً بسيطاً ومبتكراً.
إليك كيف تعمل ببساطة:
- القطب الكهربائي الذكي: يتم وضع قطب كهربائي دقيق ومصمم خصيصاً على شكل عدسة لاصقة تحتوي على البلاتين على سطح العين.
- تيار كهربائي لطيف: يتم تمرير تيار كهربائي منخفض جداً وآمن عبر هذا القطب لمدة دقيقة واحدة تقريباً.
- تغيير كيميائي مؤقت: هذا التيار يغير درجة الحموضة (pH) في نسيج القرنية المحيط به، مما يؤدي إلى إرخاء ألياف الكولاجين التي تمنح القرنية صلابتها. نتيجة لذلك، تصبح القرنية مرنة وقابلة لإعادة التشكيل مؤقتاً.
- القالب التصحيحي: أثناء مرونة القرنية، يقوم قالب يشبه العدسات اللاصقة بتوجيهها بلطف لتتخذ الشكل الجديد المثالي الذي يصحح الرؤية.
- التثبيت الطبيعي: بمجرد إيقاف التيار، تعود درجة الحموضة إلى طبيعتها، فتستعيد ألياف الكولاجين صلابتها وت “تقفل” القرنية على شكلها الجديد المصحح.
الأمر المدهش هو أن العملية برمتها لا تتضمن أي إزالة للأنسجة، مما يفتح الباب أمام إمكانية عكس الإجراء أو تعديله في المستقبل إذا لزم الأمر، وهي ميزة لا تتوفر في جراحات الليزر التقليدية.
اكتشاف بالصدفة ورؤية للمستقبل
كما هو الحال مع العديد من الاكتشافات العظيمة، وُلدت فكرة هذه التقنية من ملاحظة غير متوقعة. صرح البروفيسور برايان وونغ، أحد المشاركين في البحث، بأن الفكرة جاءت من النظر إلى الأنسجة الحية كمواد يمكن تشكيلها، مما قادهم بالصدفة إلى اكتشاف هذه الآلية الكيميائية الدقيقة.
أن جمال هذه التقنية لا يكمن فقط في بساطتها الظاهرية، بل في تحولها الجذري عن النموذج “الجراحي”. إنها تتعامل مع الجسم كنظام ديناميكي يمكن “إقناعه” بلطف ليعالج نفسه، بدلاً من “إجباره” على التغيير عبر إزالة أجزاء منه. إذا أثبتت التجارب السريرية سلامتها وفعاليتها على المدى الطويل، فإننا لا ننظر فقط إلى تصحيح النظر بدون ليزر، بل إلى فجر جديد في الطب التجديدي حيث يمكننا تعديل الأنسجة الحية بأقل تدخل ممكن.
أثار هذا الخبر موجة من التفاؤل والحماس بين الجمهور، خاصة أولئك الذين يعانون من رهاب العمليات الجراحية أو الذين لم يكونوا مرشحين مناسبين لليزر. ففكرة الحصول على رؤية واضحة في دقيقة واحدة وبدون ألم هي أمر جذاب للغاية.
ومع ذلك، يؤكد الباحثون، وعلى رأسهم مايكل هيل، الأستاذ بكلية أوكسيدنتال، أن الطريق لا يزال طويلاً. التقنية ما زالت في مراحلها الأولية، والتجارب التي أجريت حتى الآن كانت في المختبر ولم تنتقل بعد إلى البشر. التحديات القادمة تشمل ضمان استقرار النتائج على المدى الطويل، والتأكد من عدم وجود أي آثار جانبية غير متوقعة على صحة خلايا القرنية.
على الرغم من هذه التحديات، فإن الإمكانيات هائلة. فإذا نجحت التقنية، يمكن أن تكون متاحة على نطاق أوسع بكثير، وبتكلفة أقل بكثير من الليزك، مما يجعل تصحيح النظر في متناول الجميع تقريباً.
المصدر:
الاجتماع الربيعي للجمعية الكيميائية الأمريكية (ACS Spring 2024)، وأبحاث منشورة لفريق من كلية أوكسيدنتال وجامعة كاليفورنيا.
أسئلة شائعة حول تقنية EMR:
1. ما هي تقنية EMR لتصحيح النظر؟
هي تقنية غير جراحية ناشئة تستخدم تياراً كهربائياً خفيفاً لتغيير درجة حموضة القرنية مؤقتاً، مما يجعلها مرنة وقابلة لإعادة التشكيل لتصحيح عيوب الإبصار مثل قصر النظر.
2. هل عملية EMR مؤلمة؟
حتى الآن، تشير الأبحاث الأولية إلى أن الإجراء غير مؤلم، لأنه يعتمد على تيار كهربائي منخفض جداً ولا يتضمن أي قطع أو إزالة لأنسجة العين.
3. كم من الوقت تستغرق عملية EMR؟
تستغرق العملية بأكملها، من تطبيق التيار الكهربائي إلى إعادة تشكيل القرنية وتثبيتها، حوالي دقيقة واحدة فقط.
4. هل هذه التقنية بديل آمن لليزر؟
تُظهر النتائج المخبرية الأولية أنها آمنة ولا تسبب ضرراً للخلايا. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لتجارب سريرية واسعة على البشر لتأكيد سلامتها وفعاليتها على المدى الطويل واعتبارها بديلاً معتمداً.
5. متى ستكون تقنية EMR متاحة للجميع؟
لا يزال الأمر يتطلب عدة سنوات من البحث والتجارب السريرية قبل أن تحصل على الموافقات التنظيمية وتصبح متاحة تجارياً للجمهور.