في خطوة مفاجئة هزّت الأوساط الاقتصادية، أعلن مكتب التحليل الاقتصادي في الولايات المتحدة عن انكماش غير متوقع في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث سجّل الاقتصاد تراجعًا بنسبة 0.3%، وهو الانكماش الأول منذ عام 2022.
هذا الانكماش لم يكن نتيجة ضعف داخلي مباشر، بل جاء مدفوعًا باندفاع الشركات الأميركية لاستيراد كميات ضخمة من السلع قبل فرض الرسوم الجمركية ضمن الحرب التجارية الجديدة التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب. فكيف يُفسّر هذا التراجع؟ وما هي تداعياته المحتملة على الاقتصاد العالمي؟
كيف ساهمت الواردات المرتفعة في انكماش الاقتصاد الأميركي؟
عندما تتجاوز الواردات الصادرات، يصبح التأثير سلبيًا على الناتج المحلي الإجمالي (GDP). في هذه الحالة، ارتفعت واردات الشركات الأميركية بشكل كبير في محاولة لتخزين السلع وتجنّب التكاليف الإضافية المتوقعة بسبب الرسوم الجمركية التي لوّح بها ترامب.
مثال:
شركة إلكترونيات كبرى استوردت ملايين القطع من الصين قبل بدء فرض الرسوم الجمركية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في العجز التجاري في مارس، بحسب “فاينانشال تايمز”.
يبين لنا هذا الجدول مقارنة بين أكثر السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في شهر أبريل، قبل فرض الرسوم الجمركية وبعدها:
| الصنف | قيمة الواردات قبل الرسوم (مارس) | قيمة الواردات بعد الرسوم (أبريل) | نسبة التغير % | الملاحظات |
|---|---|---|---|---|
| الإلكترونيات | 38.2 مليار دولار | 42.7 مليار دولار | +11.8% | ارتفاع سببه تخزين مسبق لمكونات الهواتف والحواسيب |
| السيارات وقطع الغيار | 28.5 مليار دولار | 32.3 مليار دولار | +13.3% | استيراد مبكر لتجنب زيادة الأسعار |
| الأجهزة المنزلية | 9.1 مليار دولار | 10.5 مليار دولار | +15.4% | قفزة في استيراد الثلاجات والمكيفات |
| الآلات الصناعية | 24.0 مليار دولار | 26.6 مليار دولار | +10.8% | طلب مرتفع من الشركات قبل زيادة التعرفة |
| المنسوجات والملابس | 11.6 مليار دولار | 13.2 مليار دولار | +13.7% | تسابق سلاسل التجزئة لتخزين المنتجات |
| المنتجات البلاستيكية | 7.4 مليار دولار | 8.1 مليار دولار | +9.5% | استيراد كميات كبيرة للتخزين الصناعي |
المصدر التقديري: بيانات التجارة الخارجية الأميركية (U.S. Census Bureau)، تقارير السوق من بلومبرغ و”فاينانشال تايمز”.
إعلان
ملاحظات:
-
تشير الزيادة الواضحة في كل فئة إلى سلوك استباقي من جانب الشركات الأميركية لتخزين البضائع قبل سريان الرسوم الجمركية.
-
الانعكاس المباشر لهذا الارتفاع على الناتج المحلي الإجمالي ظهر في صورة انكماش، لأن الواردات تُخصم من الحساب العام للناتج.
-
أغلب هذه المنتجات تم استيرادها من الصين، المكسيك، وكوريا الجنوبية.
تفسيرات متباينة بين ترامب والاقتصاديين
نشر دونالد ترامب عبر منصة “تروث سوشيال” أن ما حدث “لا علاقة له بالرسوم الجمركية”، موجهًا اللوم إلى إدارة بايدن. لكن الخبراء الاقتصاديين، مثل غريغوري داكو من EY-Parthenon، يرون أن تكديس الشركات للسلع كان العامل الأساسي، ووصفوا التأثير بأنه “تشوّه مؤقت” في قراءة أداء الاقتصاد.
هل سيؤثر هذا الانكماش على سياسات الاحتياطي الفيدرالي؟
رغم أن هذا التراجع في الناتج أثار القلق، لم تتغير التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة. الأسواق لا تزال تتوقع أربعة تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة هذا العام، فيما حافظت سندات الخزانة على استقرار نسبي.
دور الإنفاق الحكومي في الأزمة
إلى جانب ارتفاع الواردات، أشارت بيانات مكتب التحليل الاقتصادي إلى تراجع ملحوظ في الإنفاق الحكومي، مما فاقم من أثر الانكماش.
لكن على الجانب الآخر، سجّل “الاستثمار في المخزون الخاص” ارتفاعًا، أي أن الشركات بدأت بتخزين السلع بأعداد كبيرة، وهو ما عوّض جزئيًا عن الفجوة.
توقعات قاتمة للنمو في 2025
خلال الأسبوع ذاته، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي لهذا العام إلى 1.8%، بدلًا من 2.7%. بعض المحللين ذهبوا لأبعد من ذلك، وتوقعوا انعدام النمو تمامًا في حال استمرت الحرب التجارية.
الأسئلة الشائعة:
ما سبب انكماش الاقتصاد الأميركي في 2025؟
السبب الرئيسي هو الارتفاع الكبير في الواردات قبل فرض رسوم جمركية جديدة، ما أثّر سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي.
كيف تؤثر الحرب التجارية على الناتج المحلي؟
الحرب التجارية تدفع الشركات إلى تسريع عمليات الشراء، مما يزيد الواردات ويقلل من قيمة الناتج المحلي عندما لا تقابلها صادرات كافية.
هل هذا الانكماش يعني أن الاقتصاد الأميركي يواجه ركودًا؟
ليس بالضرورة، فبعض الخبراء يرون أن التأثير مؤقت، نتيجة “تشوّهات” في السوق، وقد لا يؤثر على رؤية الاحتياطي الفيدرالي.
هل خفض أسعار الفائدة لا يزال متوقعًا؟
نعم، الأسواق لا تزال تتوقع نحو أربع تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام رغم التراجع المؤقت في النمو.
رأي ميتالسي:
في عالم تسوده تقلبات السياسات التجارية، يظهر بوضوح كيف أن التحركات الاستباقية قد تقلب المعادلات الاقتصادية رأسًا على عقب. الانكماش الأميركي الأخير درسٌ واقعي حول هشاشة النمو عندما يُبنى على تكتيكات مؤقتة لا على استراتيجيات استدامة.
نصيحتنا: راقبوا مؤشرات التجارة العالمية، ولا تثقوا فقط في الأرقام الفصلية، فالحقيقة غالبًا تكمن خلف التفاصيل، وليس في العناوين.
