النقاط الرئيسية
- انخفاض الثقة بترامب عالميًا إلى 34% وفق مركز بيو.
- أوروبا والمكسيك أكثر المناطق نفورًا من سياساته.
- نيجيريا تمثل الاستثناء الوحيد بثقة مرتفعة بلغت 79%.
- 80% من المشاركين وصفوه بـ”المتغطرس” و65% بـ”الخطِر”.
- الاستطلاعات تكشف أزمة ثقة تهدد النفوذ الأميركي التقليدي.
كشفت نتائج مركز بيو للأبحاث لعام 2025 عن تراجع حاد في الثقة العالمية بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ لم تتجاوز نسبة الثقة فيه 34%، مقابل 62% عبّروا عن شكوكهم بقدرته على إدارة الملفات الدولية.
الأرقام وحدها قد لا تروي القصة كاملة، لكنها تعكس تحوّلًا حقيقيًا في صورة القيادة الأميركية في أذهان الشعوب، بعد أن كانت تمثل لعقود مرادفًا للثقة والقوة والاستقرار.
من أوباما إلى ترامب: التحول من التعددية إلى الصفقات
خلال عهد باراك أوباما، بلغت الثقة العالمية في واشنطن نحو 64%، مدفوعة بخطاب يقوم على الشراكة والتعددية واحترام المؤسسات الدولية. أما ترامب، فقد قلب المعادلة بشعار “أميركا أولًا”، متبنيًا نهجًا معاملاتياً براغماتيًا يُعيد تعريف التحالفات بمعيار الربح والخسارة.
هذا التوجه جعل من العلاقات الدولية حقل تفاوض مستمر، وأضعف ما كان يُعرف بالالتزامات الاستراتيجية طويلة الأمد، خاصة مع الحلفاء الأوروبيين الذين باتوا ينظرون لواشنطن كـ”شريك ضروري” لا “حليف دائم”.
تراجع الثقة الأوروبية: الحليف القديم في حالة ارتياب
تُظهر استطلاعات عام 2025 أن نسب الثقة في ترامب تهاوت إلى مستويات غير مسبوقة:
- ألمانيا: 18%
- فرنسا: 22%
- السويد: 15%
- كندا: 22% فقط
هذه الأرقام تعني أن أوروبا لم تعد ترى في الولايات المتحدة الضامن المطلق لأمنها كما كان الحال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع تصاعد حرب أوكرانيا، باتت المخاوف الأوروبية من “صفقة محتملة” بين ترامب وبوتين هاجسًا استراتيجيًا حقيقيًا.
وفقًا لاستطلاع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، 73% من الأوروبيين يرون ترامب تهديدًا للأمن والسلام في القارة، وهي نسبة قريبة من تقييمهم للرئيس الروسي نفسه.
المكسيك: الجار الغاضب
أما المكسيك، فتحتل المرتبة الأولى في انعدام الثقة، إذ عبّر 91% من المشاركين عن رفضهم الكامل لترامب، بسبب مواقفه العدائية من المهاجرين وسياسة الجدار الحدودي، التي يراها المكسيكيون إهانة وطنية ورمزًا للتفرقة.
وبينما كانت نسبة النظرة الإيجابية للولايات المتحدة 61% عام 2024، انخفضت إلى 29% فقط في عام 2025 — انهيار دراماتيكي لصورة القوة الناعمة الأميركية جنوب الحدود.
نيجيريا: الاستثناء الإنجيلي
في المقابل، أبدت نيجيريا أعلى مستوى من الثقة بترامب بنسبة 79%، وهو رقم يبرز التباين الثقافي والديني في استقبال “النموذج الترامبي”. ففي بلد تسوده التيارات الإنجيلية المحافظة، يجد خطاب ترامب الديني والقومي صدى واسعًا، خصوصًا مع دعواته لتعزيز الدور الأميركي في مواجهة الجماعات المتطرفة في إفريقيا.
تغطرس بلا مصداقية
بحسب مركز بيو، وصف 80% من المستطلعين ترامب بأنه متغطرس، و65% بأنه خطِر، بينما اعتبره 67% “قائدًا قويًا” و28% فقط “صادقًا”.
هذه المفارقة تلخص صورة ترامب في العالم: قائد يُخاف منه أكثر مما يُحترم.
وهي صورة تُقوّض جوهر “الهيمنة التوافقية” التي بنَت عليها أميركا نفوذها بعد الحرب العالمية الثانية، إذ لم تعد القوة وحدها كافية لفرض القبول، بل باتت المصداقية والشرعية الأخلاقية شرطين أساسيين للقيادة العالمية.
بين القبول والإكراه: الأزمة الغرامشية للهيمنة الأميركية
أشار التقرير إلى مفهوم أنطونيو غرامشي عن “القنطور” — نصف إنسان ونصف وحش — كتشبيه دقيق لطبيعة السلطة الأميركية التي تمزج بين القوة والإقناع.
لكن مع ترامب، اختل هذا التوازن. فحين يُنظر إلى القائد باعتباره متهورًا أو غير قابل للتنبؤ، تفقد القوة معناها الردعي وتتحول إلى عامل فوضى في النظام الدولي.
شعبوية عابرة للحدود
من اللافت أن ترامب لا يمثل فقط رئيسًا أميركيًا مثيرًا للجدل، بل أصبح رمزًا أيديولوجيًا للتيارات اليمينية الشعبوية في العالم. ففي بريطانيا، يحظى بثقة 59% من أنصار اليمين مقابل 18% فقط من اليسار.
هذا الانقسام يتكرر في بولندا وألمانيا وغيرها، حيث يُنظر إليه كصوت “مناهض للعولمة الليبرالية” ومُعادٍ للنخب والمؤسسات.
نهاية الهيمنة الناعمة؟
ما ترسمه استطلاعات 2025 ليس مجرد تراجع في الشعبية، بل تحول بنيوي في إدراك العالم لأميركا. فالدول باتت توازن بين الحاجة إلى قوة واشنطن العسكرية وبين تحفظها على أسلوبها القيادي، ما قد يفتح الباب أمام نظام دولي متعدد الأقطاب أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا.
تحليل خاص
من الواضح أن صورة ترامب ليست مجرد انطباع شخصي، بل مؤشر على أزمة أعمق في القيادة الأميركية داخل نظام دولي يتغير بسرعة.
فقد انتهى زمن الهيمنة التي تقوم على الإعجاب، وبدأت مرحلة جديدة من القوة بلا قبول، حيث تحاول واشنطن الدفاع عن مكانتها في عالم لم يعد يسلّم بقيادتها كما في السابق.
المصدر:
تقرير “الجزيرة نت”، استنادًا إلى بيانات مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center)
