في لحظة تاريخية فارقة، تتجه أنظار الملايين داخل سوريا وخارجها نحو استحقاق سياسي يُعد حجر الزاوية في بناء مستقبل البلاد. انتخابات مجلس الشعب السوري الأولى في مرحلة ما بعد الأسد ليست مجرد عملية سياسية، بل هي بمثابة رسم لخارطة طريق ستحدد ملامح الدولة لعقود قادمة. فكيف سيتشكل هذا المجلس، ومن سيرسم معالمه؟
خارطة الطريق إلى البرلمان: آلية انتخابية فريدة لمرحلة استثنائية
بخلاف ما هو متعارف عليه في معظم الديمقراطيات، لن يتوجه المواطنون السوريون مباشرة إلى صناديق الاقتراع لاختيار نوابهم. عوضًا عن ذلك، اعتمدت الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع نظامًا انتخابيًا غير مباشر ومدروسًا بعناية ليتناسب مع تحديات المرحلة، مثل عدم وجود سجلات ناخبين دقيقة وتشتت ملايين السوريين.
العملية الانتخابية في سوريا تمر عبر ثلاث خطوات رئيسية:
- تشكيل اللجان الفرعية: في كل محافظة، تم تشكيل لجان انتخابية محلية لتكون النواة الأولى للعملية.
- ولادة الهيئة الناخبة: تقوم هذه اللجان باختيار مجموعة نخبوية وموسعة تُعرف بـ “الهيئة الناخبة”. هذه الهيئة هي “برلمان مصغّر” مهمته النهائية انتخاب أعضاء مجلس الشعب. وتتكون من فئتين:
- 70% من الكفاءات: وتشمل الأكاديميين والمهنيين وحملة الشهادات الجامعية.
- 30% من الأعيان: وتشمل وجهاء المجتمع والشخصيات ذات التأثير الاجتماعي.
- الاقتراع الحاسم: أعضاء “الهيئة الناخبة” هم فقط من يحق لهم التصويت لاختيار 140 نائبًا من أصل 210، وهم أعضاء مجلس الشعب المنتخبون.
أما الثلث المتبقي (70 مقعدًا)، فسيتم تعيينهم مباشرة من قبل الرئيس أحمد الشرع، وهي خطوة تهدف إلى ضمان وجود “تكنوقراط” وخبراء قد لا تفرزهم العملية الانتخابية، وللحفاظ على توازن دقيق في هذه المرحلة التأسيسية.
من يرسم مستقبل سوريا؟ شروط صارمة وهوية جديدة للسياسيين
أحد أهم التحولات التي تحملها هذه الانتخابات هو الفلترة الدقيقة للمشهد السياسي. لقد وضع النظام الانتخابي المؤقت معايير واضحة تهدف إلى القطيعة التامة مع حقبة الماضي وبناء هوية سياسية جديدة.
من يُمنع من المشاركة؟
- داعمو النظام السابق: أي شخصية يثبت دعمها للنظام البائد أو شاركت في مؤسساته بعد عام 2011 (ما لم يثبت انشقاقه) مستبعدة تمامًا.
- التنظيمات المتطرفة ودعاة الانقسام: يُحظر على أعضاء التنظيمات الإرهابية أو من يتبنى خطاب الكراهية أو يدعو للانفصال المشاركة.
- العسكريون والأمنيون: لا يحق للمنتسبين للقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية الترشح لضمان حيادية المجلس.
هذه الشروط، التي تشبه إجراءات “العدالة الانتقالية” في دول أخرى مرت بتحولات كبرى، تهدف إلى ضمان أن يكون المجلس الجديد ممثلًا حقيقيًا لسوريا المستقبل.
في المقابل، تؤكد القواعد على ضرورة التمثيل العادل، حيث تم تخصيص كوتا للنساء لا تقل عن 20%، وأخرى للمصابين وذوي الإعاقة بنسبة 3%، بالإضافة إلى مراعاة تمثيل المهجرين وذوي الشهداء والناجين من المعتقلات.
ماذا سيفعل المجلس الجديد؟ صلاحيات واسعة لمرحلة التأسيس
لن يكون مجلس الشعب القادم مجرد هيئة شكلية. فقد منحه الإعلان الدستوري صلاحيات واسعة وجوهرية تجعله المحرك الأساسي للدولة خلال فترة ولايته البالغة 30 شهرًا.
أبرز مهامه:
- السلطة التشريعية الكاملة: إقرار القوانين وتعديلها وإلغاؤها.
- إقرار الموازنة العامة والمصادقة على المعاهدات الدولية.
- سلطة رقابية: يمتلك المجلس القدرة على تجاوز “فيتو” الرئيس. فإذا اعترض الرئيس على قانون، يمكن للمجلس إعادة إقراره بأغلبية الثلثين، ليصبح نافذًا حكمًا.
هذه الصلاحيات تضمن أن يكون المجلس شريكًا حقيقيًا في السلطة، ومسؤولًا عن بناء الإطار القانوني لدستور سوريا الدائم.
المحطات الأخيرة على الطريق
مع تشكيل اللجان الفرعية ولجان الطعون، دخلت العملية الانتخابية في سوريا مراحلها النهائية. ومن المتوقع أن تبدأ اللجان باختيار قوائم “الهيئة الناخبة” قريبًا، لتبدأ بعدها حملات المرشحين الانتخابية التي ستستمر لأسبوع واحد، قبل أن يحين موعد الاقتراع الحاسم بين 15 و 20 سبتمبر الجاري.
بعدها، سيصدر الرئيس مرسومًا بتسمية الأعضاء الفائزين والمعينين، ليجتمع أول برلمان سوري في العهد الجديد، ويبدأ المهمة الأصعب: بناء سوريا المستقبل.
أسئلة يطرحها الناس حول انتخابات مجلس الشعب السوري
1. لماذا الانتخابات في سوريا غير مباشرة؟
لصعوبة إجراء انتخابات مباشرة في ظل التحديات اللوجستية الهائلة، مثل عدم وجود سجلات مدنية دقيقة وتشتت ملايين السوريين في الداخل والخارج. الآلية غير المباشرة تعتبر حلًا عمليًا للمرحلة الانتقالية.
2. من سيختار أعضاء مجلس الشعب السوري؟
سيتم انتخاب 140 عضوًا (ثلثي المجلس) من قبل “هيئة ناخبة” مكونة من أكاديميين ووجهاء مجتمع. بينما سيقوم الرئيس أحمد الشرع بتعيين الـ 70 عضوًا المتبقين.
3. ما هي أهم صلاحيات مجلس الشعب الجديد؟
يمتلك المجلس السلطة التشريعية الكاملة، بما في ذلك إقرار القوانين والموازنة العامة، والمصادقة على المعاهدات. كما يمكنه تجاوز اعتراض الرئيس على القوانين بأغلبية الثلثين.
4. هل يمكن لأي شخص من النظام السابق الترشح؟
لا، النظام الانتخابي يمنع صراحة ترشح أي شخصية يثبت دعمها للنظام السابق أو شاركت في مؤسساته بعد عام 2011، إلا في حال أثبت انشقاقه رسميًا.
5. متى ستُعلن النتائج النهائية للانتخابات؟
من المتوقع أن تُجرى عملية الاقتراع بين 15 و 20 سبتمبر 2025، على أن تُعلن النتائج النهائية بعد فترة قصيرة للبت في الطعون وإصدار المرسوم الرئاسي.