عندما نسمع كلمة “نيكوتين”، غالبًا ما تتبادر إلى الأذهان صور سلبية مثل الإدمان، والتدخين، وسرطان الرئة. ولكن، ماذا لو علمت أن النيكوتين نفسه — بعيدًا عن السجائر — قد يكون مفتاحًا جديدًا لعلاج بعض الاضطرابات العصبية الأكثر تعقيدًا في العالم؟ في هذا المقال، نكشف الجانب الخفي للنيكوتين، ونتتبع رحلته من طقوس الشفاء لدى السكان الأصليين إلى مختبرات أبحاث الدماغ الحديثة.
النيكوتين بين الماضي والعلوم الحديثة
قبل قرون من استعمار الأوروبيين للأمريكتين، استخدمت الشعوب الأصلية نبات التبغ المعروف بـ Nicotiana rustica في طقوس روحية وعلاجية. هذا التبغ التقليدي لم يكن كما نعرفه اليوم في السجائر، بل نقيًّا وخاليًا من الإضافات الكيميائية الضارة. كان يُحرق في طقوس مقدسة ويُستخدم لأغراض طبية.
وبفضل التطور العلمي، بدأت الأبحاث الحديثة تؤكد فوائد محتملة لهذه المادة. فقد أظهرت الدراسات أن النيكوتين كدواء ينشّط مستقبلات في الدماغ تُعرف باسم مستقبلات الأسيتيل كولين النيكوتينية، والتي ترتبط مباشرة بالتعلم، والانتباه، والذاكرة.
النيكوتين ومرض باركنسون: وقاية محتملة من الضرر العصبي
واحدة من أكثر المجالات الواعدة في العلاج بالنيكوتين هي مرض باركنسون. تشير الدراسات إلى أن المدخنين – رغم أضرار التدخين – لديهم احتمال أقل للإصابة بالمرض، بسبب تأثير النيكوتين في حماية الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين.
إضافةً لذلك، وُجد أن النيكوتين يقلل من بروتين يُدعى SIRT6، وهو بروتين يرتبط بموت الخلايا في باركنسون. هذا يجعل النيكوتين مرشحًا جديًا لإبطاء تقدم المرض أو تقليل أعراضه.
الزهايمر: تحسين الإدراك بوسائل آمنة
في جامعة فاندربيلت، أظهرت دراسة أن النيكوتين يُحسّن الذاكرة والانتباه ليس فقط لدى من يعانون من الزهايمر، بل حتى لدى الأفراد الأصحاء. وكانت الفائدة أوضح لدى الأشخاص الحاملين لجين APOE4، وهو جين مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالزهايمر.
استخدام لصقات الجلد المحتوية على النيكوتين، والتي توفر جرعات ثابتة وآمنة، ساعد بشكل ملحوظ على تحسين الوظائف الإدراكية دون الحاجة لتدخين السجائر.
النيكوتين في علاج الاكتئاب وفرط الحركة
بعيدًا عن الأمراض التنكسية، وجد الباحثون أن النيكوتين كدواء قد يكون فعالًا أيضًا في حالات مثل:
- الاكتئاب المزمن
- اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
- الفصام
- متلازمة توريت
يُختبر النيكوتين حاليًا باستخدام لصقات أو أقراص تُعطى بجرعات دقيقة، لتقليل المخاطر وتحقيق الفوائد بأقل آثار جانبية ممكنة، والتي غالبًا ما تكون خفيفة مثل الغثيان أو اضطراب النوم.
تلاقي الحكمة القديمة والطب الحديث
المثير في الأمر أن ما بدأ كموروث لدى شعوب أمريكا الأصلية — استخدام التبغ كمادة علاجية مقدسة — بدأ يعود مجددًا في صورة علمية مدروسة. وهذا يسلط الضوء على أهمية إعادة التفكير في بعض المواد الطبيعية التي اعتدنا على رؤيتها من منظور واحد فقط.
بين الإدمان والعلاج، يقف النيكوتين عند مفترق طرق علمي وثقافي. فإذا تم التحكم في طريقة تقديمه وجرعاته، فقد يتحول من مادة خطرة إلى دواء معجزة يحمي العقل ويُحسّن الحياة. مستقبل النيكوتين لا يجب أن يُحدَّد بالسجائر، بل بقدرته على علاج أمراض عصبية مزمنة. وربما آن الأوان لنتجاوز الصورة النمطية، ونفتح المجال لأبحاث أعمق قد تغيّر مسار الطب العصبي.
📌 المصدر:
Psychology Today
ما هي فوائد النيكوتين كدواء؟
يساعد على تحسين الذاكرة والانتباه، ويُحتمل أن يبطئ من تقدم أمراض مثل الزهايمر وباركنسون.
هل النيكوتين آمن عند استخدامه طبيًّا؟
عند استخدامه بجرعات دقيقة كجزء من لصقات أو أدوية طبية، يعتبر النيكوتين أكثر أمانًا بكثير من التدخين.
هل يمكن استخدام النيكوتين لعلاج الاكتئاب؟
نعم، هناك دراسات جارية تُظهر نتائج واعدة في استخدام النيكوتين لعلاج بعض أنواع الاكتئاب واضطرابات المزاج.
ما الفرق بين النيكوتين في السجائر وفي اللصقات الطبية؟
السجائر تحتوي على مئات المواد الضارة إضافة للنيكوتين، بينما اللصقات الطبية تحتوي فقط على النيكوتين بجرعات مضبوطة.
