شهدت المقامات الدينية لدى دروز السويداء استعادة كبيرة لنفوذها في الفضاء الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تصاعد الاهتمام بالروحانيات وتزايد المعتقدات حول اقتراب الحساب والقيامة. يفسر الشيخ فاضل تقي الدين هذا التوجه بأنه مرتبط بانتشار الأفكار المتعلقة بنهاية الزمان، والتي وردت في “مجروية القيامة”، أحد النصوص الدينية الدرزية.
يعتقد الكثيرون في المنطقة أن التقرّب من المقامات الدينية الدرزية يعيدهم إلى طريق الهداية والصواب، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التدين وزيادة أعداد الزوار لهذه المقامات المنتشرة في مختلف قرى السويداء وحتى في مركز المدينة.
مقام عين الزمان: القلب الروحي لدروز السويداء
يعد مقام عين الزمان من أهم المقامات الدينية لدى دروز السويداء، حيث كان في الأصل ديرًا بيزنطيًا يُعرف باسم “دير سنان”، وتحول لاحقًا إلى معلم ديني بارز. وفقًا لمحمد طرابيه، رئيس جمعية العاديات في السويداء، فإن هذا المقام كان مدرسة قديمة خرّجت العديد من المعلمين البارزين في المحافظة.
ويؤكد الشيخ تيسير رجب، رئيس الديوان في المقام، أن الزيارات لم تنقطع يومًا، حيث تستمر الطقوس الدينية مثل تأدية النذور، وزيارة العروس، والتبرّك المعتاد. كما يوضح أن التبرعات الموجهة للمقام تُستخدم لدعم المحتاجين والخدمات الصحية، حيث يضم المقام قسمًا طبيًا متكاملًا يحتوي على عيادات متنوعة، بما في ذلك عيادة للأسنان، وعيادة للعيون، وعيادة تغذية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية للعمليات الجراحية.

مقام شيحان: صمود أمام التغيرات السياسية
خلال الثورة السورية، شهد مقام شيحان في مدينة شهبا رفع علم الثورة لفترة قصيرة، قبل أن تتدخل القوات الأمنية لإزالته. يعود تاريخ هذا المقام إلى فترة القرامطة، وكان يُعرف قديمًا بأنه مكان إقامة شيخان يُرجح أن أحدهما كان “السيد القرشي”.
لا يزال هذا المقام يتمتع بجاذبية كبيرة، حيث يستقطب الزوار من مختلف قرى جبل العرب. يشير الشيخ كمال الخطيب إلى أن ليلة الجمعة الأولى من كل شهر هجري تشهد سهرة دينية عامة يحضرها مشايخ من مختلف القرى. كما أن دخل المقام يتم توزيعه شهريًا لدعم المجتمعات المحلية وتمويل تعليم الطلاب من ذوي الدخل المحدود.
مقامات فوق التلال: رمز للعزلة والتعبّد
يُلاحظ أن العديد من المقامات الدينية الدرزية شُيدت على تلال نائية، في دلالة رمزية على العزلة والروحانية. من بين هذه المقامات مقام مار عباد، المعروف أيضًا بـ”راعي السحاب”، والذي يقع جنوب مدينة صلخد. يعود المقام إلى ولي صالح من بني إسرائيل عاش في زمن النبي سليمان عليه السلام.
ويشير الشيخ خلدون جبور إلى أن المقام خضع لعدة عمليات ترميم، كان آخرها بدعم من الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش. ويستخدم ريع المقام في دعم الفقراء والمحتاجين، وهو ما يعكس الدور الاجتماعي لهذه الأماكن الدينية.
مقام النبي شعيب في قيصما: الرمز الديني والمكانة الروحية
يعد مقام النبي شعيب في قرية قيصما من المزارات المهمة لدى الدروز، رغم أن المقام الحقيقي للنبي شعيب يقع في فلسطين. يوضح المؤرخ إبراهيم جودية أن هذا المقام بُني عام 1920، وأعيد ترميمه عام 1940، وكان يُستخدم كمدرسة حتى عام 1960.
وقد حددت مشيخة العقل يوم 24 أبريل من كل عام موعدًا رسميًا لزيارته، حيث يجتمع أكثر من ألف شخص لإحياء الطقوس الدينية. ومع ذلك، يظل المقام مفتوحًا طوال العام، حيث يتوافد عليه الزوار للتبرك، وتقديم النذور، والاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية.

تأثير الإنترنت على المقامات الدينية الدرزية
على الرغم من التقدم العلمي وانتشار الإنترنت، لا تزال المقامات الدينية الدرزية تحافظ على مكانتها الروحية، حيث يجد الكثيرون فيها ملاذًا للراحة النفسية والتأمل. ومع ذلك، يشير بعض الباحثين إلى أن انتشار الإنترنت قلل من الدور التقليدي لرجال الدين في نشر المعلومات الدينية، مما أدى إلى تراجع بعض العادات المرتبطة بالمزارات.
لكن في المقابل، هناك مقامات مثل مزار حزقيل في قرية الحريسة، الذي يستقطب زوارًا من فلسطين ولبنان والأردن، حيث تمارس فيه الطقوس المتعارف عليها مثل قراءة الدور في كتاب الحكمة وتناول الطعام في صالة المزار.
مستقبل المقامات الدينية الدرزية في السويداء
لا يزال الإقبال على المقامات الدينية مستمرًا، حيث يرى الكثير من أبناء السويداء في هذه الأماكن ملاذًا روحيًا يعزز هويتهم الدينية والاجتماعية. ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أن التقدم العلمي قلل من ظهور مزارات جديدة، حيث أصبح تطويب المقامات يعتمد بشكل أساسي على مكانتها الروحية والتاريخية.
وبغض النظر عن التحولات الاجتماعية والتكنولوجية، تظل المقامات الدينية الدرزية جزءًا أصيلًا من النسيج الثقافي والديني للمجتمع الدرزي في السويداء، تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية وتعزيز القيم الروحية بين الأجيال الجديدة.
المصدر: الجزيرة

[…] أشهر هذه المقامات مقام عين الزمان وسط السويداء، الذي يتمتع بمكانة روحية واجتماعية كبيرة […]