تُعتبر القهوة المشروب المفضل للملايين حول العالم، وذلك بفضل احتوائها على الكافيين الذي يمنح الشعور باليقظة والطاقة. لكن دراسة حديثة فاجأت الباحثين بعد أن وجدت أن استهلاك الكافيين بشكل يومي قد يؤدي إلى انخفاض حجم المادة الرمادية في الدماغ، وهو الأمر الذي قد يعيد تشكيل فهمنا لتأثير القهوة على صحة الجهاز العصبي.
تأثير الكافيين على المادة الرمادية في الدماغ
بحسب ما نشره موقع New Atlas، فإن البحث الذي أُجري ونُشر في دورية Cerebral Cortex، وجد أن الكافيين قد يسبب تغيرات في بنية الدماغ، لكن دون أن يكون لذلك تأثير سلبي واضح على الوظائف الإدراكية.
المادة الرمادية تتكون من أجسام الخلايا العصبية والمشابك العصبية، وهي مسؤولة عن العمليات المعرفية مثل التعلم والتذكر. وعلى الرغم من أن بعض الدراسات السابقة أشارت إلى أن الكافيين قد يساعد في الحماية من التدهور المعرفي، إلا أن هذه الدراسة أظهرت تأثيراً مؤقتاً يتمثل في تقليل حجم المادة الرمادية بعد استهلاك الكافيين لفترة معينة.

هل يؤثر الكافيين على النوم أم على الدماغ مباشرة؟
أحد الأهداف الرئيسية للدراسة كان البحث فيما إذا كان هذا التغيير في المادة الرمادية مرتبطًا باضطرابات النوم، حيث من المعروف أن قلة النوم تؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ.
ولكن المثير للدهشة أن النتائج أظهرت عدم وجود فرق في جودة النوم بين أولئك الذين تناولوا الكافيين وأولئك الذين لم يتناولوه. وهذا يعني أن تأثير الكافيين على المادة الرمادية ليس بسبب اضطراب النوم، بل ربما يكون تأثيرًا مستقلاً للكافيين على الدماغ.
منطقة الدماغ الأكثر تأثراً بالكافيين
وجد الباحثون أن التأثير الأكبر للكافيين كان في الفص الصدغي الإنسي الأيمن، وهو جزء من الدماغ يحتوي على الحُصين، وهي المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والإدراك المكاني.
هذا الاكتشاف يتوافق مع دراسة أخرى أجريت عام 2022 على الفئران. والتي وجدت أن الاستهلاك المزمن للكافيين أدى إلى تغييرات جزيئية في الحُصين.
هل الضرر دائم؟ سرعة تعافي الدماغ من تأثير الكافيين
رغم هذه النتائج المثيرة، أكدت الباحثة كارولين رايخرت من جامعة بازل، أن التأثيرات على المادة الرمادية تبدو مؤقتة. حيث لوحظ تعافي الدماغ سريعًا بعد التوقف عن تناول الكافيين.
وقالت رايخرت:
“يبدو أن هذه التغييرات ليست دائمة، ولكن ما زالت هناك حاجة لدراسات مقارنة طويلة المدى بين مستهلكي القهوة بشكل دائم وأولئك الذين لا يتناولونها إطلاقًا.”

نتائج متناقضة: هل القهوة مفيدة أم ضارة للدماغ؟
رغم هذه النتائج، فإن الأدلة العلمية حول تأثير القهوة على صحة الدماغ ما زالت متضاربة. فبينما تشير بعض الدراسات إلى أن الكافيين قد يساعد في الوقاية من الأمراض العصبية مثل الزهايمر وباركنسون. فإن الدراسة الجديدة تسلط الضوء على تأثيرات غير معروفة سابقًا تتعلق بمرونة الدماغ العصبية.
من المحتمل أن هذه التناقضات ناتجة عن اختلاف الفئات العمرية التي شملتها الدراسات. حيث ركزت الأبحاث السابقة على كبار السن الذين يعانون من التدهور العصبي، بينما ركز البحث الجديد على شباب أصحاء.
الخلاصة: هل يجب التوقف عن شرب القهوة؟
لا تعني هذه الدراسة أن القهوة ضارة بالدماغ أو أنها تؤثر سلبًا على الأداء العقلي. لكنها تقدم رؤية جديدة حول كيفية تفاعل الدماغ مع الكافيين. ومع ذلك، يبقى من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث لمعرفة التأثيرات طويلة المدى للكافيين على صحة الدماغ.
إذا كنت من عشاق القهوة، فلا داعي للقلق، لكن قد يكون من المفيد تنظيم استهلاكك اليومي لها لضمان الحصول على فوائدها دون التأثير على صحة الدماغ.
