في خضم أنقاض الحرب السورية، تنهض مفاجآت تاريخية من تحت الركام، لتُذكّر الجميع بأن ما دُمّر لم يكن فقط مبانيَ وأسواقًا، بل تاريخًا كاملاً وحضارةً ضاربة في الجذور. فقد عثر السكان في مدينة معرة النعمان، أثناء إزالة أنقاض القصف، على مدافن رومانية وبيزنطية تعود لأكثر من ألفي عام، لتعيد إلى الواجهة قضية التراث السوري الذي بات بين فكيّ الإهمال والنهب المنظم.
اكتشافات تحت الركام.. ما القصة؟
في عام 2019، كانت معرة النعمان هدفًا لحملة قصف عنيفة تسببت في تهجير سكانها وتدمير المتحف الأثري الشهير بالمدينة، الذي نُهب لاحقًا. وخلال محاولات إزالة الركام، برزت معالم أثرية ثمينة، أبرزها مدافن حجرية من العصور الرومانية والبيزنطية. هذه الاكتشافات تُعد دليلاً على الغنى التاريخي للمنطقة، لكنها تُطرح في سياق مؤلم، إذ تُكتشف لا بفضل جهود التنقيب، بل بسبب دمار الحرب.
القرى الأثرية تتحول إلى ساحات قتال
القرى المجاورة مثل شنشراح وسرجيلا، كانت في السابق محطات سياحية شهيرة، إلا أنها تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مواقع عسكرية وساحات صراع دمّرت بنيتها الأثرية. عمليات الحفر العشوائي والتخريب ساهمت في فقدان أجزاء كبيرة من الهوية المعمارية لهذه القرى الرومانية القديمة.
جهود محلية تحت ضغط كبير
أكد أحمد عنان، مسؤول في دائرة آثار إدلب، أن سوريا كانت من أغنى مناطق العالم حضاريًا، لكن تراثها أصبح عرضة للنهب والتخريب من أطراف متعددة، أبرزها المليشيات المسلحة وقوات النظام. أضاف أن الحجارة الأثرية استُخدمت في البناء، وأن الأراضي الأثرية جُرفت لأغراض زراعية، وسط ضعف الإمكانيات البشرية واللوجستية لحماية تلك المواقع.
ورغم التحديات، عملت دائرة الآثار على توثيق الأضرار، وإعداد خرائط أثرية رقمية، وتوقيع تعهدات مع المعتدين على تلك المواقع، إلا أن ضعف الكوادر وصعوبة التنقل يبقيان من أكبر العوائق.
خريطة الكنوز المنسية في سوريا
تضم سوريا العشرات من المواقع التي تُعد من أثمن الكنوز الأثرية عالميًا، منها:
- الشمال السوري: المدن المنسية، مدينة إبلا، قلعة حارم، ومتحف إدلب الوطني.
- حلب: قلعتها الشهيرة ومعبد عين دارة.
- دمشق القديمة: قلعة دمشق، سوق الحميدية، متحف الطب.
- حمص: قلعة الحصن ومسجد خالد بن الوليد.
- البادية: آثار تدمر.
- اللاذقية وطرطوس: أوغاريت، قلعة المرقب، جزيرة أرواد.
- الجنوب: بصرى، ماري، شهبا.
- الشرق: قلعة جعبر، سور الرقة، وتلال أثرية في الحسكة.
تهريب ممنهج وغياب رؤية مهنية
اتهم أيمن النابو، مدير مركز آثار إدلب، الأجهزة الأمنية السابقة والمليشيات بعمليات تهريب منظمة للآثار، مشيرًا إلى أن حماية المواقع كانت سابقًا تُدار أمنيًا لا ثقافيًا، ما نتج عنه مركزية قاتلة وإهمال آلاف المواقع الأقل شهرة.
وأشار إلى سرقات طالت متاحف حماة وتدمر والرقة، ووصول بعض القطع إلى لبنان وتل أبيب، مؤكدًا أن كل قطعة مهربة تمثل فقدانًا لهوية وطنية لا تُقدّر بثمن. كما انتقد النابو أداء اليونسكو التي اكتفت بالتعامل مع النظام الرسمي، متجاهلة الفرق الأثرية العاملة في مناطق المعارضة.
مبادرات رقمية وأمل بمستقبل أفضل
رغم الفوضى، هناك محاولات لتوثيق المواقع باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي وخرائط GIS. كما تسعى المديرية لإعادة دمج الموظفين السابقين ودعوة الجهات الدولية للمشاركة في إعادة الإعمار الثقافي، وسط تأكيد أن التراث ليس ترفًا، بل هوية وطنية تعكس صورة سوريا أمام العالم.
بين النهب والتهميش، لا تزال الكنوز الأثرية في سوريا تصرخ طلبًا للنجدة. فكل حجر يُنهب، وكل قطعة تُباع، ليست مجرد خسارة أثرية، بل اقتلاعٌ لجذور شعب بأكمله. يبقى الأمل معقودًا على مقاربة جديدة تنطلق من احترام التراث كمرآة للهوية، لا كغنيمة حرب. إن إنقاذ الآثار السورية لا يحفظ الماضي فحسب، بل يرسم ملامح مستقبل أكثر وعيًا وكرامة.
المصدر:
الجزيرة نت
ما أهم المواقع الأثرية في سوريا؟
تضم سوريا مدنًا أثرية مثل تدمر، إبلا، بصرى، المدن المنسية في إدلب، وقلعة الحصن في حمص، إضافة إلى متاحف حلب ودمشق.
ما أسباب تدهور أوضاع الآثار السورية؟
أهمها الحرب، الفوضى الأمنية، النهب المنظم، الحفر العشوائي، وانخفاض الدعم الحكومي والدولي للمواقع الأقل شهرة.
هل هناك جهود لحماية التراث السوري حاليًا؟
نعم، تشمل مبادرات رقمية، توثيق باستخدام نظم GIS، ومشاركة فرق محلية ودولية في حماية المواقع رغم الصعوبات.





