التاريخ الإسلامي يشكّل مرجعًا أساسيًا لكل من يرغب في فهم طبيعة السلطة وتعقيدات السياسة عبر العصور. كيف تشكّلت مفاهيم الدولة؟ وما هي الخلفيات التي أسهمت في صعود بعض الإمبراطوريات وتراجع أخرى؟ في هذا المقال، سأعيد عرض أهم الأفكار الواردة في أربعة كتب أساسية، تتناول أبعادًا مختلفة من التاريخ الإسلامي وعلاقته بالسياسة والسلطوية والتأخر.
لماذا يُعدّ التاريخ الإسلامي محورًا لفهم السياسة المعاصرة؟
يعتقد الكثيرون أن الإسلام بحكم طبيعته الدينية يدمج بين السلطة الدينية والحكم السياسي. لكن الحقائق التاريخية تشير إلى وجود وجهات نظر متباينة جدًا. عبر التاريخ الإسلامي، برزت خلافات وتفسيرات مختلفة لمفهوم “الخلافة” ودور العلماء والجيوش والتجار. ما أدى إلى تطور سياسي معقّد. ولإلقاء نظرة شاملة على هذا الموضوع، لا بد من الرجوع إلى الكتب التي خاضت في هذه المسائل بعمق وتحليل.
1- كتاب «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق
في كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم» الصادر عام 1925. تحدّى علي عبد الرازق الفكرة الشائعة التي تفيد بأن الإسلام بطبيعته يرفض الفصل بين الدين والدولة. رأى عبد الرازق أن الرسالة المحمدية ركّزت على الجوانب الأخلاقية، ولم تُقدّم نظامًا سياسيًا محدّدًا.
- أبرز فكرة: لو كان هناك نظام سياسي محدّد في الإسلام، لكان النبي محمد ﷺ عيّن خليفة بعده بوضوح.
- النتيجة: الخلافة هي مؤسسة بشرية، وليست تكليفًا دينيًا.
- التبعات: أثارت هذه الأطروحة الجريئة جدلًا كبيرًا، وأدّت إلى سحب شهادته العلمية وعزله من منصبه القضائي.
2- «المقدمة» لابن خلدون: أساس العلوم الاجتماعية
يُعدّ ابن خلدون (1332-1406) من أبرز المفكّرين الذين درسوا ديناميكيات السلطة في التاريخ الإسلامي. في «المقدمة»، قدّم نظريته حول تطور المجتمعات من البادية إلى الحضر:
- أهل الحضر: يمتلكون الفنون والعلوم والترف، لكنهم يفقدون روح التضامن (العصبية).
- أهل البادية: يتمتعون بالشجاعة والعصبية القوية، ما يُكسبهم قدرة على الاستيلاء على المدن وإسقاط النخب.
- الدورة التاريخية: يبدأ البدو بالهيمنة على الحضر، ثم يصبحون هم أنفسهم حضرًا بمرور الوقت، فتُتاح الفرصة لقبائل بدوية أخرى للسيطرة من جديد.
- أثره: تُعدّ «المقدمة» من الأسس التي قامت عليها العلوم الاجتماعية الحديثة، وتأثيرها ما زال حاضرًا في تفسير ظواهر سياسية واقتصادية معاصرة.
3- «مغامرة الإسلام: إمبراطوريات البارود والعصور الحديثة – المجلد الثالث» لمارشال هودجسون
يركّز المؤرخ الأميركي مارشال هودجسون في المجلد الثالث من «مغامرة الإسلام» على الإمبراطوريات العثمانية والصفوية والمغولية بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، مسلّطًا الضوء على اعتمادها على البارود في توسّعها العسكري.
- الفكرة المحورية: بينما انشغلت إمبراطوريات التاريخ الإسلامي بالفتوحات العسكرية. كانت أوروبا تشهد تحوّلات معرفية وثورات علمية.
- النتيجة: ركّز المسلمون على البارود أكثر من تركيزهم على الطباعة والبوصلة البحرية. ما أدّى إلى فجوة معرفية بينهم وبين الأوروبيين.
- الانعكاس التاريخي: بين القرنين الثامن والحادي عشر، كان العالم الإسلامي مزدهرًا علميًا واقتصاديًا مقارنةً بأوروبا. لكن بحلول القرن الخامس عشر بدأت أوروبا تطبع ملايين الكتب. في حين لم تظهر مطبعة واحدة في العالم الإسلامي حتى القرن الثامن عشر.
4- «الإسلام والسلطوية والتأخر: مقارنة عالمية وتاريخية» للدكتور أحمد طه كورو
يستعرض أحمد طه كورو في كتابه «الإسلام والسلطوية والتأخر» الصادر عن دار نشر جامعة كامبريدج (وتُرجم للعربية عام 2021)، التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه خمسين دولة ذات غالبية مسلمة في العصر الحديث.
- الفكرة الأساسية: لا يمكن نسبة التأخر والسلطوية في العالم الإسلامي إلى الدين ذاته.
- الحقبة الذهبية: من القرن الثامن حتى الثاني عشر، شهد العالم الإسلامي نهضة علمية وتجارية تفوقت على أوروبا في تلك الفترة.
- التحوّل التاريخي: بدءًا من القرن الحادي عشر، تشكّل تحالف بين العلماء التقليديين (الفقهاء) والدول العسكرية. ما أدّى إلى تهميش المفكّرين والتجار، وتراجع الإبداع.
- الخلاصة: يعزو كورو الانحدار إلى أسباب تاريخية واجتماعية أكثر منها دينية، مشيرًا إلى ضرورة إحياء روح الانفتاح العلمي التي سادت في القرون الذهبية إذا ما أُريد تحقيق نهضة جديدة في العالم الإسلامي.
دروس من التاريخ الإسلامي لتحقيق نهضة حديثة
يؤكد مؤلّفو هذه الكتب جميعًا أن التاريخ الإسلامي لا يقتصر على الحروب والفتوحات، بل يشمل تجارب فكرية واقتصادية واجتماعية أغنت الحضارة البشرية. من خلال دراسة هذه المراحل بدقّة، يمكن للأجيال الحالية استلهام الدروس والعبر نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وتقدمًا، دون التنازل عن الهوية الدينية والثقافية.
الخلاصة:
إن قراءة هذه الكتب الأربعة تمثّل مدخلًا حقيقيًا للتعرّف على تعقيدات السياسة والتطوّر التاريخي في العالم الإسلامي. فكلّ مؤلف منها يلقي الضوء على زاوية خاصة، سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو عسكرية، لتكتمل لدينا رؤية شاملة وواعية عن صعود الأمم وسقوطها في إطار التاريخ الإسلامي.
