مقدمة عن الاندماج النووي
الاندماج النووي هو مشروع علمي يحاكي ما يحدث في قلب النجوم. يسعى الباحثون إلى ابتكار شمس اصطناعية تمدّ البشرية بطاقة شبه غير محدودة. يمكن تخيّل فائدة هائلة إذا صار بالإمكان تشغيل هذه الطاقة وإيقافها بحرية. بدأ الاهتمام بهذه الفكرة منذ أكثر من نصف قرن، بهدف توفير طاقة نظيفة ومتجددة تقلل اعتمادنا على الوقود الأحفوري.
طريقتان لإنتاج الطاقة النووية
يتم إنتاج الطاقة النووية بناءً على معادلة أينشتاين الشهيرة:
E = MC²
هناك طريقتان رئيسيتان هما الانشطار النووي والاندماج النووي:
- الانشطار النووي: نأخذ مادة ثقيلة مثل اليورانيوم ونفككها للحصول على طاقة كبيرة. هذه التقنية مستخدمة في المفاعلات النووية الحالية، لكنها تنتج نفايات مشعّة خطيرة.
- الاندماج النووي: نقوم بدمج ذرتين خفيفتين، كالهيدروجين، لتكوين ذرة أثقل مثل الهيليوم. هذه العملية تنتج طاقة هائلة، وهي الأساس الذي تقوم عليه النجوم في الكون.

الاندماج النووي في قلب النجوم
النجوم تولد كميات مذهلة من الطاقة لا يمكن حصرها. تتجمع كميات ضخمة من الهيدروجين في مركز النجم تحت ضغط وحرارة شديدين. تصل الحرارة إلى ملايين الدرجات المئوية. يؤدي هذا الوضع إلى دمج ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم، مما يطلق طاقة ضخمة تجعل النجم مشعًا وملتهبًا. هذه العملية هي ما يحاول العلماء محاكاتها على كوكب الأرض، دون الاعتماد على الألواح الشمسية فحسب، بل عبر استنساخ التفاعلات الداخلية في قلب الشمس.
تحديات الاندماج النووي على الأرض
كيف يمكن نقل ما يحدث في قلب النجوم إلى مفاعلات هنا على الأرض؟
يتطلب الاندماج النووي ضغطًا وحرارةً هائلين. نحتاج إلى تسخين بلازما الهيدروجين حتى 150 مليون درجة مئوية، وهي حرارة تتجاوز حرارة قلب الشمس بعدة أضعاف. يكمن التحدي في الحفاظ على البلازما ضمن مجال كهرومغناطيسي قوي يمنعها من لمس جدران المفاعل. هذه التقنية بالغة التعقيد وتتطلب أبحاثًا طويلة الأمد. ورغم التقدّم العلمي، لم نتمكن بعد من جعل تفاعل الاندماج يستمرّ مدة كافية لإنتاج طاقة تزيد عمّا يُستهلك.

القنبلة الهيدروجينية وتطبيقات سلميّة صعبة
اكتشف العلماء الاندماج النووي وطبّقوه عسكريًا في ما يعرف بـ”القنبلة الهيدروجينية” (أو القنبلة H). تصل قوة هذه القنبلة إلى 50 ميجا طن، وهي أقوى من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما بثلاثة آلاف مرة تقريبًا. ومع ذلك، فإن توظيف الاندماج في مفاعلات سلمية لإنتاج الكهرباء أثبت أنه أكثر تعقيدًا. ما زال العلماء يبحثون عن حلول عملية لتحويل هذه الآلية الفريدة إلى مصدر آمن ومستمر من الطاقة.
تقنية التوكاماك ونقطة الانطلاق
ظهرت تقنية توكاماك في الاتحاد السوفيتي خلال الخمسينيات من القرن الماضي. تعتمد على بناء حجرة دائرية تحتجز البلازما عبر مجالات كهرومغناطيسية. أصبحت هذه التقنية الأساس لكل مشاريع الاندماج النووي اليوم. لكن المشكلة الكبرى هي تحقيق جدوى اقتصادية: يجب أن ينتج المفاعل طاقة أكبر مما يستهلكه لتسخين البلازما. حتى الآن، تتوقف عملية الاندماج مباشرةً بعد انطلاقها، دون تحقيق تفاعل متسلسل مستمر.

مشروع إيتر (ITER): أمل البشرية
يجري تشييد مشروع إيتر في جنوب فرنسا، ويُعدّ حاليًا أكبر مشروع علمي وتقني في العالم. يحمل اسم International Thermonuclear Experimental Reactor. بدأ التخطيط له منذ الثمانينيات، ووقّعت الاتفاقية النهائية في عام 2006. تشارك فيه 35 دولة، بينها فرنسا التي تتحمل 40% من التكلفة. صُمّم المفاعل ليولِّد 500 ميجاوات من الطاقة، مقابل 50 ميجاوات يجب توفيرها لإطلاق العملية. يعني ذلك عائدًا طاقيًا بعشر أضعاف ما يُستهلك.
يركز مهندسو إيتر على تحقيق ظروف ملائمة لتفاعل الاندماج. يتطلب الأمر تجهيزات ضخمة وأجهزة تبريد وتسخين معقدة. من المتوقع أن تبدأ التجارب الكبرى على البلازما بحلول عام 2025، بينما قد ينطلق الاندماج الفعلي في حدود عام 2035. إذا سارت الأمور وفق الخطة، ربما نرى طاقة اندماجية قابلة للاستخدام التجاري بحلول عام 2050 أو 2060.
جهود عالمية طموحة
ترصد الصين إمكانيات كبيرة لتطوير مفاعلات تجريبية، وقد حققت نتائج واعدة في بلازما درجات الحرارة العالية. تساهم تجاربها في تقوية مشروع إيتر. عدة شركات خاصة تضع أموالًا وأبحاثًا إضافية في هذا المجال. الكل يدرك أن الاندماج النووي قد يكون حلًا جذريًا لأزمات الطاقة. فهو يَعِدُ بطاقة نظيفة ومتجددة تخلّصنا من تبعات الوقود الأحفوري، وتقلل المخاوف البيئية والانبعاثات الكربونية.

خاتمة: هل سنحظى بشمس اصطناعية قريبًا؟
ما يزال الاندماج النووي أكثر التقنيات تعقيدًا في التاريخ الحديث. ومع ذلك، يتضاعف الأمل كلما اقترب مشروع إيتر ومبادرات أخرى من تحقيق نتائج إيجابية. إذا نجح العلماء في جعل التفاعل مستمرًا وذاتي التغذية بالطاقة، فقد يتحقق حلم “الشمس الاصطناعية”. عندئذ سيغنينا هذا المصدر النظيف والمتجدد عن كثير من مصادر الطاقة التقليدية، مما يعزز الاستدامة ويحمي البيئة للأجيال القادمة.
[…] كفاءةً وأقل كلفةً. تساهم هذه التطورات في جعل خيارات الطاقة النظيفة أكثر تنافسية، وبالتالي تقليل الاعتماد على الوقود […]
[…] عصب صناعة السينما في الشرق الأوسط، حيث يحملون معهم طاقة متجددة وأفكارًا جريئة. ويؤكد الكثير من النقاد أهمية توجيه […]
[…] الإقليمية في مجال تصدير الطاقة النظيفة ويؤكد أهمية الطاقة المتجددة في دعم النمو الاقتصادي […]