إنَّ إنترنت الأشياء هو أحد أهم المفاهيم التقنية الحديثة التي غيَّرت طريقة تواصلنا مع العالم من حولنا. يشير مصطلح “إنترنت الأشياء” إلى ربط مختلف الأجهزة والأنظمة بالإنترنت، سواء كانت هذه الأجهزة في المنازل، أو السيارات، أو حتى أجهزة طبية متصلة، بحيث تتبادل البيانات وتعمل معًا بسلاسة لتوفير خدمات وحلول ذكية تُسهِّل الحياة وتُعزِّز الإنتاجية. مع النمو المتسارع للتكنولوجيا في العقد الأخير، أصبحت إنترنت الأشياء قوةً تقنية واقتصادية رئيسية تشهد إقبالًا هائلًا من الشركات والحكومات والأفراد على حد سواء. في هذه المقالة، سنستعرض أحدث الإحصائيات حول عدد الأجهزة المتصلة عالميًا، وكيف يؤثر هذا الارتفاع على القطاعات المختلفة، وما التحديات الأمنية التي تظهر مع توسع استخدام هذه التقنية.
ما هو مفهوم إنترنت الأشياء؟
يشير مصطلح إنترنت الأشياء إلى توصيل الأجهزة المادية بمستشعرات أو برمجيات تتيح لها التواصل فيما بينها عبر الشبكة دون تدخل بشري مباشر في كثير من الأحيان. وبذلك، يمكن للأجهزة الذكية تبادل المعلومات واتخاذ قرارات أو إجراءات بناءً على البيانات التي تحللها. على سبيل المثال، يمكن لثلاجة ذكية تنبيهك عندما ينخفض مستوى الحليب وإضافته تلقائيًا إلى قائمة المشتريات في تطبيق خاص على هاتفك. كما يمكن لمكيف هواء ذكي ضبط درجة الحرارة وفقًا لوجود أشخاص في الغرفة أو حتى بناءً على توقعات الطقس في منطقتك.

كم وصل عدد الأجهزة المتصلة عالميًا؟
تختلف التقديرات والإحصائيات من جهة لأخرى، ولكن من المؤكد أنّ عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت حول العالم ينمو بوتيرة غير مسبوقة. وفقًا لتقارير أعدتها شركات أبحاث عالمية مثل “جارتنر” و”ستاتيستا”، فقد وصل عدد هذه الأجهزة إلى ما يقارب 14 مليار جهاز في عام 2022. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال السنوات القليلة المقبلة ليصل إلى أكثر من 30 مليار جهاز بحلول عام 2030. هذا النمو السريع مدفوع بانتشار شبكات الاتصال عالية السرعة مثل شبكات الجيل الخامس (5G) والاعتماد المتزايد على التحول الرقمي في قطاعات عديدة.
يُرجع الخبراء هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أبرزها:
- التطوّر التكنولوجي المستمر: تحسُّن قدرات المعالجات وتناقص تكاليف المستشعرات والرقائق.
- البنية التحتية للاتصالات: انتشار شبكات الاتصالات فائقة السرعة في مختلف دول العالم.
- الدعم الحكومي: تبني الحكومات سياسات تحفّز الشركات على الاستثمار في إنترنت الأشياء كجزء من خطط التحول الرقمي.
- الطلب الاستهلاكي: الرغبة المتزايدة لدى الأفراد في استخدام أجهزة ذكية تُسهِّل مهام الحياة اليومية وتوفر خدمات مبتكرة.
معدل النمو السنوي المتسارع
ما يميز إنترنت الأشياء ليس فقط انتشارها الكبير في السنوات القليلة الماضية، بل أيضًا توقعات النمو السنوي العالية التي تصل إلى ما بين 20% و25% سنويًا في بعض التقارير. على سبيل المثال، عندما تُحقِّق الصناعات المعتمدة على الأجهزة الذكية زيادة في كفاءة الإنتاج أو توفر في الطاقة، تصبح هذه التقنيات جذابة ومُجدية اقتصاديًا، مما يدفع عجلة الاستثمار قدُمًا ويزيد من اعتماد الأسواق عليها. ومع دخول المزيد من الأسواق الناشئة إلى رقعة هذه التكنولوجيا، نتوقع استمرار نمو الأجهزة المتصلة عالميًا على المدى الطويل.
تأثير إنترنت الأشياء على القطاعات المختلفة
1. الرعاية الصحية
يُعدُّ قطاع الرعاية الصحية من أكثر القطاعات استفادةً من انتشار إنترنت الأشياء. تخيل أجهزة قياس الضغط الذكية التي تتابع حالة المريض عن بُعد، أو أجهزة قياس نسبة الأكسجين في الدم التي تُرسل البيانات بشكل فوري إلى الأطباء. كل هذا يجعل الرعاية الصحية أكثر دقة وكفاءة ويُساعد على اكتشاف المشكلات الصحية مبكرًا. إلى جانب ذلك، يمكن للمستشفيات الاستفادة من أجهزة تعقب المعدات الطبية، ما يقلل من التكاليف ويُحسِّن جودة الخدمة.
2. النقل الذكي والسيارات المتصلة
إنّ السيارات المتصلة بالإنترنت تتيح للسائق مراقبة وضع السيارة على الطريق، والتعرّف على أعطال المحرك قبل حدوثها، والتواصل مع أنظمة الملاحة الذكية في الوقت الفعلي لتجنُّب الازدحامات المرورية. وفي قطاع النقل العام (الحافلات والقطارات)، تزود بأجهزة ذكية تحسين مواعيد الرحلات والحد من التأخيرات بفضل البيانات اللحظية عن حركة السير والطقس.
3. المنازل الذكية
المنازل الذكية مثال حيّ على قدرة إنترنت الأشياء على تغيير حياتنا اليومية. من الإضاءة التي تعمل وفقًا للحركة أو الإضاءة الطبيعية المتوفرة في الغرفة، إلى أجهزة المطبخ الذكية وأنظمة التحكم بالأمن والمراقبة عن بُعد، كل هذه التطبيقات تُسهم في تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتعزيز الرفاهية. في المستقبل القريب، قد نجد أجهزة كهربائية تتواصل مع بعضها البعض بشكل أكبر لتحديد أفضل أوقات التشغيل وفق تسعيرة الكهرباء في ساعات الذروة أو ساعات الليل.

التحديات الأمنية لإنترنت الأشياء
على الرغم من الفوائد الكثيرة، فإنّ الاعتماد على إنترنت الأشياء يطرح تحديات أمنية جدّية. فكما هو الحال مع أي تقنية متصلة بالشبكة، هناك دائمًا احتمال للتعرّض للاختراقات والثغرات الأمنية. قد يستهدف مجرمو الإنترنت الأنظمة الذكية في المنازل أو السيارات أو حتى أجهزة المستشفيات. في ما يلي بعض أبرز التحديات:
- حماية البيانات الشخصية: تتبادل الأجهزة المتصلة بيانات حساسة مثل المعلومات الطبية والمالية؛ لذا فإن أي اختراق قد يتسبب في مشكلات خصوصية كبيرة.
- التحقق والتوثيق: تحتاج الشركات والمستخدمون إلى أنظمة توثيق متطورة تمنع القراصنة من التلاعب بالأجهزة الذكية.
- تحديثات البرمجيات: تتطلب الأجهزة المتصلة تحديثات دورية لسد الثغرات الأمنية. عدم الاهتمام بالتحديث قد يجعل الجهاز عرضة للقرصنة.
- تنظيم السياسات واللوائح: لا تزال القوانين المتعلقة بإنترنت الأشياء في طور التطوير، ويجب وضع أُطر قانونية واضحة تُلزم الشركات بتطبيق معايير أمان مُحددة.
كيف يمكن التغلب على هذه التحديات؟
- تعزيز الوعي الأمني: يجب توعية المستخدمين بأهمية تطبيق إجراءات الحماية، مثل تغيير كلمات المرور الافتراضية وتحديث أنظمة التشغيل والتطبيقات بانتظام.
- اعتماد بروتوكولات تشفير متقدمة: استخدام بروتوكولات التشفير يعزز تأمين البيانات المتبادلة بين الأجهزة.
- تطوير اللوائح والمعايير: تحتاج الحكومات والجهات التنظيمية إلى إصدار لوائح تُلزم الشركات المصنعة بتضمين معايير أمنية عالية في منتجاتها.
- تبادل المعلومات بين القطاعات: التعاون بين خبراء الأمن السيبراني والشركات المصنعة ومزودي خدمات الاتصالات ضروري لتطوير أفضل الممارسات وتقليل المخاطر.

الرؤية المستقبلية لإنترنت الأشياء
مع استمرار التطوّر التكنولوجي وازدياد الاعتماد على التحول الرقمي، يُتوقّع أن يُشكّل إنترنت الأشياء العمود الفقري لكثير من العمليات اليومية في المستقبل. من المتوقع أن نرى تطوّرًا في الذكاء الاصطناعي بالتزامن مع إنترنت الأشياء، حيث يمكن للأجهزة الذكية أن تتعلم أنماط السلوك وتُحسن من أدائها بشكل مستمر، مما ينعكس إيجابيًا على الإنتاجية والابتكار في مختلف المجالات.
المدن الذكية مثال آخر على مدى اتساع تطبيق إنترنت الأشياء؛ إذ ستُجهَّز الشوارع ومرافق البنية التحتية بحساسات تراقب حركة السير وجودة الهواء وأعطال الإنارة العامة في الوقت الفعلي. هذا الدمج التقني سيوفر بيانات ضخمة تستطيع الحكومات تحليلها لاتخاذ قرارات أفضل وأسرع لخدمة المجتمع.
الخلاصة
لا شك أن انتشار إنترنت الأشياء عالميًا وصل إلى مراحل متقدمة، ومن المتوقع أن يستمر بالنمو ليشمل عشرات المليارات من الأجهزة المتصلة في العقد المقبل. هذا النمو الهائل ينعكس إيجابًا على قطاعات عديدة مثل الرعاية الصحية والنقل والمنازل الذكية، حيث تُوفِّر الأجهزة الذكية كفاءة أعلى وتجربة مستخدم أكثر سلاسة. إلا أنّ هذا التطور لا يخلو من تحديات، خصوصًا في جانب الأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدمين.
بفضل التقدم المتسارع الذي نشهده، ستظل إنترنت الأشياء محركًا رئيسيًا للتحول الرقمي في العالم، وسيصبح دورها أكثر وضوحًا في حياتنا اليومية مع تبنّي المزيد من الابتكارات والحلول الذكية. ومع التزام الشركات والحكومات بتعزيز إجراءات الأمان والتشريعات المناسبة، يمكن لهذه التقنية أن تحقق فوائد هائلة دون المخاطرة بخصوصيات الأفراد وأمن البنى التحتية.
في النهاية، يظل مفتاح نجاح إنترنت الأشياء وتجنب مخاطرها هو التوازن بين الاستفادة من قوة الاتصال الذكي وحماية البيانات والمعلومات الشخصية. ومع انتشار الوعي واكتمال البنى التحتية اللازمة، قد نجد أنفسنا أمام عالم أكثر ترابطًا وإبداعًا، يخدم البشرية بطرق لم نتخيلها من قبل.
