الوعي، تلك الحالة المعقدة التي تجعلنا نشعر ونفكر ونتفاعل مع العالم، كان دومًا لغزًا يحير العلماء والفلاسفة على حد سواء. ما هو الوعي؟ وأين يتجسد في أدمغتنا؟ هل هو ناتج عن تفكير منطقي متقدم، أم ينبع من إحساسنا البسيط بالأشياء من حولنا؟ دراسة علمية جديدة، نشرت في مجلة Nature، تحاول تقديم إجابة علمية لهذه الأسئلة القديمة، وتفتح أبوابًا جديدة لفهمنا لطبيعة الإدراك البشري.
ما هو الوعي ولماذا ندرسه؟
الوعي هو القدرة على الشعور، أن ترى وجهًا أو تسمع صوتًا أو تتذوق طعامًا أو تتألم. إنه الجسر بين الجسد والعقل، بين العالم الخارجي وتجربتنا الداخلية. لذلك، فهم كيفية نشوئه في الدماغ ليس مجرد فضول علمي، بل خطوة ضرورية لتحسين العناية بالمرضى المصابين بإصابات دماغية أو غيبوبة، والتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، وحتى في الإجابة على تساؤلات فلسفية عميقة حول ماهية الإنسان.
التجربة العلمية: تتبع إشارات الدماغ عبر القارات
في دراسة شملت 256 متطوعًا من 12 مختبرًا في أمريكا وأوروبا والصين، تم قياس النشاط الكهربائي والمغناطيسي، وتدفق الدم في الدماغ أثناء مشاهدة المشاركين لصور متنوعة، مثل وجوه بشرية وأشياء مألوفة. وكان الهدف هو تتبع مصدر الإشارات العصبية المرتبطة بالوعي.
المفاجأة: الوعي لا ينشأ في مقدمة الدماغ
خلافًا للنظرية الشائعة، والتي تقول إن الفص الجبهي (المقدمة) هو مركز التفكير والوعي، وجدت الدراسة أن النشاط المرتبط بالوعي كان أكثر وضوحًا في المناطق الخلفية من الدماغ – تحديدًا في القشرة الحسية التي تعالج الإبصار والسمع.
مقارنة بين النظريتين: من يفسر الوعي بدقة أكبر؟
هناك نظريتان رئيسيتان في علم الأعصاب تحاولان تفسير نشأة الوعي:
- نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة (GNWT):
ترى أن الوعي يتشكل في الفص الجبهي، ثم تُنشر المعلومات الهامة في بقية الدماغ. - نظرية المعلومات المتكاملة (IIT):
تعتبر أن الوعي ينبع من تكامل المعلومات بين أجزاء متعددة من الدماغ.
لكن المثير أن النتائج الجديدة لم تؤيد أيًا من النظريتين بشكل كامل. بل رجّحت أن المصدر الأساسي للوعي هو في القشرة الخلفية، بينما لا يبدو أن القشرة الجبهية تلعب دورًا حاسمًا في الإدراك البصري الواعي.
تطبيقات عملية: كيف يغير هذا فهمنا للغيبوبة؟
تكمن أهمية هذه الاكتشافات في تطبيقاتها السريرية. إذ يوضح البروفيسور كريستوف كوك، المشارك في إعداد الدراسة، أن فهمنا لمصدر الوعي سيساعد الأطباء في التعامل مع مرضى الغيبوبة أو من هم في “متلازمة اليقظة بلا استجابة”.
تشير الدراسات إلى أن ربع المرضى في هذه الحالات يكونون واعين وعيًا خفيًا، أي أنهم يدركون ما حولهم لكن لا يستطيعون التعبير عن ذلك. هذا يعني أن الكثير من قرارات سحب الدعم الطبي قد تكون مبنية على تقييم غير دقيق.
رأي موقع ميتالسي:
ندعو من خلال هذا الاكتشاف إلى إعادة النظر في مفهومنا عن الوعي الإنساني، ليس فقط من ناحية علمية بل أخلاقية أيضًا. ففي عالم سريع التطور تقنيًا وبيولوجيًا، يصبح من الضروري أن نبني قراراتنا الطبية والفلسفية على أساس معرفي متين وليس فقط على سلوك ظاهر.
نصيحة عملية:
إذا كنت تعمل في المجال الطبي أو تبحث عن مستقبل في علوم الأعصاب أو الذكاء الاصطناعي، فابدأ بالتركيز على فهم آليات الوعي. هذا المجال يشهد ثورة حقيقية، وقد تكون أنت من يسهم في الاكتشاف الكبير التالي.
الأسئلة الشائعة حول الوعي في الدماغ:
أين يقع الوعي في الدماغ؟
الوعي، بحسب الدراسة، يتشكل في القشرة الخلفية من الدماغ، وتحديدًا في المناطق الحسية المسؤولة عن الرؤية والسمع، وليس في الفص الجبهي كما كان يُعتقد سابقًا.
هل يمكن للإنسان أن يكون واعيًا أثناء الغيبوبة؟
نعم، تشير الأبحاث إلى أن حوالي 25% من المرضى في حالة الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة قد يكونون واعين دون القدرة على التعبير عن ذلك.
ما الفرق بين الوعي والسلوك الواعي؟
الوعي هو الشعور الداخلي بالإدراك، أما السلوك الواعي فهو التعبير الخارجي عن هذا الشعور مثل الضغط على زر أو الحديث.
ما أهمية تحديد موقع الوعي في الدماغ؟
يساعد هذا في تحسين طرق تشخيص الحالات العصبية، وتحديد وعي المرضى غير القادرين على التواصل، وقد يسهم في تطوير الذكاء الصناعي الذي يحاكي الإدراك البشري.
