بعد نحو عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي (2015)، تجد إيران نفسها مجددًا تحت وطأة عقوبات أممية أعيد تفعيلها فجر الأحد. بريطانيا وفرنسا وألمانيا – المعروفة بدول الترويكا الأوروبية – لجأت إلى ما يسمى بـ”آلية الزناد” أو Snapback، متهمة طهران بعدم الالتزام بتعهداتها النووية.
هذا التطور يعيد الملف الإيراني إلى المربع الأول، ويطرح تساؤلات حول جدوى العقوبات، تأثيرها الفعلي على الاقتصاد الإيراني، والأهم: موقف القوى الكبرى مثل الصين وروسيا.
ماذا تستهدف العقوبات؟
العقوبات أعادت تفعيل حظر بيع ونقل الأسلحة التقليدية لإيران، وتجميد أصول شخصيات وكيانات مرتبطة بالبرنامجين النووي والباليستي. كما منعت سفر المسؤولين والمهندسين المتورطين في تطوير هذه البرامج. وفرضت قيودًا على التعاملات المالية التي قد تساهم في تمويلها.
إلى جانب ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات منفصلة أكثر تشددًا. تشمل تقييد قطاع النفط والغاز، الذي يمثل نحو 60% من صادرات إيران، وهو شريان أساسي لاقتصادها.
الأثر الاقتصادي والسياسي
الاقتصاد الإيراني يعاني أصلًا من تضخم يفوق 45% بحسب تقديرات البنك الدولي، وعملة فقدت أكثر من ثلثي قيمتها خلال خمس سنوات. إعادة فرض العقوبات ستضاعف الضغوط، خصوصًا على شركات الشحن والتأمين، ما يزيد تكلفة التجارة الخارجية.
لكن التاريخ يوضح أن العقوبات لم تُجبر إيران على التراجع عن برنامجها النووي، بل دفعتها نحو الاعتماد على اقتصاد الظل، وتوسيع شبكة علاقاتها مع الصين وروسيا وفنزويلا.
سياسيًا، من المرجح أن تستثمر طهران هذه العقوبات لتعزيز خطابها الداخلي بأن الغرب يسعى لخنق إيران، وهو ما قد يمنح النظام مساحة لإحكام قبضته أكثر بدلًا من تقديم تنازلات.
الانقسام الدولي.. ورقة قوة لإيران
بينما تعتبر العواصم الأوروبية العقوبات وسيلة ضغط، ترى موسكو وبكين أنها إجراء غير قانوني. الصين – التي تستورد أكثر من مليون برميل نفط يوميًا من إيران – قد تواصل التجارة مع طهران بطرق ملتوية، ما يخفف من فعالية العقوبات.
هذا الانقسام يهدد مصداقية مجلس الأمن، ويكشف حدود قدرة الأمم المتحدة على فرض قراراتها في عالم يتجه إلى تعددية الأقطاب.
سيناريوهات المستقبل
- تشديد الضغوط: إذا التزمت أوروبا والولايات المتحدة بصرامة، قد تواجه إيران عزلة اقتصادية أعمق، لكنها ستعتمد أكثر على محور الشرق.
- سباق نووي إقليمي: مع استمرار الضغط، قد تسرّع طهران برنامجها النووي، ما يثير سباق تسلح في الشرق الأوسط، خاصة مع تصريحات إسرائيلية متكررة حول “الخيار العسكري”.
- مساومات سياسية: قد تستخدم إيران الملف كورقة تفاوض في ملفات إقليمية أخرى (اليمن، العراق، سوريا)، لابتزاز مكاسب مقابل أي تنازل نووي.
إعادة فرض العقوبات عبر “آلية الزناد” خطوة قوية من أوروبا، لكنها ليست كافية بمفردها لإجبار إيران على تغيير مسارها. فنجاحها يتوقف على موقف الصين وروسيا، وعلى قدرة الغرب في تقديم بدائل عملية لطهران بدلًا من دفعها أكثر نحو الشرق.
العقوبات قد تُبطئ البرنامج النووي، لكنها قد لا توقفه، بل ربما تفتح الباب أمام مواجهة أكبر في المنطقة. حيث الاقتصاد والسلاح والنفوذ السياسي كلها أدوات في معركة طويلة الأمد.
قسم الأسئلة الشائعة
ما هي آلية الزناد أو Snapback؟
هي آلية وردت في اتفاق 2015 النووي، تتيح لأي دولة موقعة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا رأت أنها لا تلتزم بتعهداتها.
ما أبرز العقوبات التي فُرضت مجددًا؟
تشمل حظر الأسلحة التقليدية، تجميد الأصول، قيود السفر، ومنع التعاملات المالية والتجارية المرتبطة بالبرنامجين النووي والباليستي.
هل العقوبات ستؤثر على الاقتصاد الإيراني؟
نعم، ستزيد التضخم وتضعف العملة، وتضغط على قطاعي النفط والشحن. لكن إيران اعتادت الالتفاف عبر التجارة مع الصين وروسيا.
ما موقف الصين وروسيا من هذه العقوبات؟
ترى موسكو وبكين أن العقوبات غير قانونية، ومن المرجح أن تستمرا في التعاون مع إيران، ما قد يحدّ من فعاليتها.
هل العقوبات قد توقف البرنامج النووي الإيراني؟
من غير المرجح أن توقفه كليًا، لكنها قد تبطئ وتيرة التطوير. الأرجح أن تتحول إلى ورقة تفاوض سياسية بين إيران والغرب.