يتجاوز الدين العام الأميركي اليوم حاجز 35 تريليون دولار، وهو رقم هائل يثير قلق الاقتصاديين في الداخل والخارج. هذه المعضلة لا تمس الولايات المتحدة فقط، بل تؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله، لأن الدولار ما يزال العملة الاحتياطية الأولى في العالم. السؤال المحوري: كيف ستتعامل أميركا مع هذا العبء؟
استنادًا إلى التحليلات الاقتصادية والتصريحات الأميركية الأخيرة وقراءة التاريخ، يمكن تلخيص أبرز السيناريوهات المطروحة أمام واشنطن لمواجهة أزمتها المالية، مع تبسيط الأفكار عبر أمثلة عملية توضح الصورة للقارئ.
1. التضخم المدروس: تقليل قيمة الدين بالوقت
واحدة من الأدوات التاريخية التي استخدمتها أميركا مرارًا هي السماح بارتفاع التضخم بشكل مدروس.
- كيف يعمل؟ مع مرور الوقت، تفقد العملة جزءًا من قيمتها الشرائية، وبالتالي يصبح سداد الديون القديمة أقل تكلفة.
- المثال المبسط: إذا استدنت 100 دولار من صديقك، وبعد عشر سنوات صار سعر القهوة 20 دولار بدل 5، فأنت تعيد له نفس الورقة النقدية، لكن قيمتها الحقيقية تراجعت كثيرًا.
- التطبيق الأميركي: عبر سياسة نقدية متحكم بها، يمكن للولايات المتحدة أن تدع التضخم يأكل جزءًا من عبء الدين دون إعلان رسمي عن تخفيضه.
2. إعادة صياغة القواعد المالية العالمية
أميركا تاريخيًا لم تتردد في تغيير القوانين المالية حين تضيق بها الأزمة.
- سابقًا: في السبعينيات، ألغى الرئيس نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، وهو ما عُرف بصدمة نيكسون، ليُعاد تشكيل النظام المالي الدولي.
- اليوم: قد تلجأ واشنطن إلى خطوة مشابهة، مثل إدخال العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC) أو العملات المستقرة (Stablecoins) ضمن النظام المالي.
- النتيجة: تحويل جزء من الدين إلى “سحابة الكريبتو”، وتوزيع مخاطره على بقية العالم.
3. رفع الضرائب وتقليص الإنفاق
الحل التقليدي لأي حكومة مثقلة بالديون هو زيادة الإيرادات وخفض النفقات.
- المثال المبسط: شخص راتبه 2000 دولار وعليه ديون كبيرة، فيقرر أن يعمل ساعات إضافية (ضرائب أعلى)، ويوقف بعض الكماليات مثل المطاعم والاشتراكات (تقشف).
- المعضلة الأميركية: رفع الضرائب على الشركات أو الأثرياء أمر حساس سياسيًا، وتقليص الإنفاق العسكري أو الاجتماعي قد يثير أزمات داخلية، خصوصًا في مجتمع منقسم سياسيًا.
4. النمو الاقتصادي: الحل السحري
إذا كان من الصعب تقليص الدين، فالحل هو تكبير الاقتصاد بحيث تقل نسبة الدين للناتج المحلي.
- المثال المبسط: لديك دين 1000 دولار وراتبك 1000 (دينك = 100%). إذا صار راتبك 2000، الدين يبقى نفسه لكن نسبته صارت 50%.
- الرهان الأميركي: الاعتماد على ثورات تكنولوجية كبرى مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والابتكار الصناعي لتوليد نمو اقتصادي قوي يقلل نسبيًا من عبء الدين.
5. تصدير الأزمة إلى الخارج
بفضل قوة الدولار كعملة احتياطية عالمية، تستطيع أميركا تحميل جزء من الأزمة للعالم.
- كيف؟ معظم البنوك المركزية تشتري سندات أميركية لتأمين احتياطاتها، بمعنى أنها تموّل الدين الأميركي بشكل غير مباشر.
- المثال المبسط: شخص عليه دين كبير، فيقنع أصدقاءه أن يساعدوه بدفع جزء من الفاتورة لأنه “مفيد لهم”.
- النتيجة: واشنطن تستفيد من ثقة العالم بالدولار وتجعل الاقتصاد العالمي شريكًا إجباريًا في أعباءها.
نظرة مستقبلية
من الواضح أن أميركا لن تعتمد على طريقة واحدة، بل ستلجأ إلى مزيج من هذه الاستراتيجيات: تضخم مدروس، تغيير قواعد اللعبة، تقاسم الكلفة مع العالم، والرهان على نمو اقتصادي مدفوع بالابتكار.
لكن التحدي الأخطر يكمن في الثقة العالمية بالدولار: إذا بدأت بالتراجع بشكل ملموس، فإن قدرة أميركا على إعادة ضبط النظام المالي قد تتلاشى، ما يفتح الباب لعالم متعدد العملات الاحتياطية (الدولار، اليورو، اليوان، وربما عملات رقمية سيادية).
خلاصة التحليل:
الولايات المتحدة بارعة في إيجاد حلول لأزماتها المالية عبر النظام الدولي، وغالبًا ما يكون العالم شريكًا – برضاه أو بدونه – في دفع جزء من الثمن. لكن الجديد اليوم أن “الكريبتو” قد يدخل هذه المعادلة، لتتحول سحابة العملات الرقمية من أداة استثمارية إلى أداة سياسية واقتصادية بيد واشنطن.