النقاط الرئيسية
- الإغلاق الحكومي الأميركي استمر 43 يومًا وتسبب بخسائر تقدَّر بـ14 مليار دولار.
- تحوّل الخلاف الحزبي إلى أداة ضغط سياسي هدد الثقة في النظام الديمقراطي الأميركي.
- انقسام الديمقراطيين وتراجعهم أعاد لترامب زخمه مؤقتًا قبل انتخابات 2026.
في مشهد يُجسّد أزمة الديمقراطية الحديثة داخل أعرق النظم السياسية في العالم، أنهت الولايات المتحدة مؤخرًا أطول إغلاق حكومي في تاريخها، استمر 43 يومًا، كاشفًا عن مدى هشاشة التوازن بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
الإغلاق الذي بدأ كخلاف حول الميزانية تحوّل سريعًا إلى معركة عناد سياسي بين الرئيس دونالد ترامب ومعارضيه، لتصبح الإدارة الأميركية رهينة لعبة شدّ حبل حزبية لا رابح فيها.
أدوات الديمقراطية تتحول إلى وسائل ضغط حزبي
الإغلاق الحكومي ليس ظاهرة جديدة في السياسة الأميركية، لكنه هذه المرة كان مختلفًا؛ فقد استُخدم كأداة ابتزاز سياسي علنية.
اختار ترامب أن يضغط على الديمقراطيين من خلال وقف تمويل الإدارات والوكالات الفيدرالية، متهمًا خصومه بأنهم يعرقلون “عظمة أميركا”، بينما ردّ الديمقراطيون باتهامات مضادة بأنه يستخدم الشعب الأميركي وقوت يومه كسلاح انتخابي.
لكن المفارقة أن هذه الممارسة كشفت هشاشة العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، حيث لم تعد الديمقراطية أداة توازن، بل وسيلة انتقام متبادل، تُدار بالتصعيد بدل الحوار.
الاقتصاد الأميركي بين الخسارة والاهتزاز
بحسب مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي، تسبب الإغلاق الحكومي بخسائر تُقدّر بنحو 14 مليار دولار من النمو الاقتصادي، إضافة إلى تعطيل أجور أكثر من 670 ألف موظف حكومي، وتأخير الرحلات الجوية، وإرباك قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والأمن الداخلي.
هذا الشلل الجزئي لم يكن مجرد عثرة مالية، بل رسالة سلبية للأسواق العالمية. فكيف يمكن لأكبر اقتصاد في العالم أن يتوقف بهذه السهولة نتيجة صراع حزبي؟
تراجعت الثقة مؤقتًا في مرونة الاقتصاد الأميركي، وازدادت الشكوك حول قدرته على تجاوز الأزمات السياسية دون تأثير على الأداء المالي العام.
قبل الانتخابات النصفية: دروس في القيادة والمخاطرة
أنهى ترامب الإغلاق بتوقيع قانون تمويل الحكومة، لكنه خرج منتصراً في الشكل، خاسراً في العمق.
صحيح أنه أجبر الديمقراطيين على التراجع عن بعض مطالبهم، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت أن غالبية الأميركيين حمّلوا الحزب الجمهوري مسؤولية الأزمة.
أما الديمقراطيون، فعانوا من انقسام داخلي حاد بعد التراجع، ما أضعف موقفهم الأخلاقي والسياسي رغم كسبهم التعاطف الشعبي. وهكذا، تحولت الأزمة إلى اختبار للقيادة السياسية أكثر منها معركة تشريعية، في وقت تستعد فيه واشنطن لانتخابات التجديد النصفي عام 2026، التي قد تُعيد رسم ملامح السلطة في الكونغرس.
الديمقراطية في اختبار صعب
ما حدث لا يُمكن فصله عن التحولات العميقة في الخطاب السياسي الأميركي، حيث باتت المواجهة هي القاعدة لا الاستثناء.
الإغلاق الحكومي الأخير كان درسًا مؤلمًا في كيفية انزلاق الأنظمة الديمقراطية عندما تتحول أدواتها من آليات تفاوض إلى أسلحة ضغط حزبي.
قد تكون الأزمة انتهت على الورق، لكن آثارها النفسية والاقتصادية والسياسية ستظل حاضرة، وربما تمهّد لمعارك أكبر مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة.
المصدر:
وكالة رويترز – بلومبيرغ – سي إن إن – تقرير مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي (CBO)
