في ظهيرة يوم 30 يوليو 1971، كانت رحلة الخطوط الجوية اليابانية “نيبون” رقم 58 تحلق بسلام على ارتفاع شاهق في طريقها من سابورو إلى طوكيو. على متن طائرة البوينغ 727، كان 155 راكباً يستمتعون برحلتهم. غير مدركين أن مصيرهم سيتحدد في غضون لحظات قليلة. في نفس الوقت، كان متدرب في قوات الدفاع الذاتي اليابانية، برفقة مدربه، ينفذان مناورات تدريبية في السماء. هذا التقاطع غير المقصود بين رحلة مدنية روتينية ومهمة عسكرية انتهى بواحدة من أبشع الكوارث الجوية، وهي كارثة شيزوكويشي.
عندما يفشل العنصر البشري: قصة قُمرتين
لم يكن هناك أي عطل في محركات طائرة الركاب أو أجهزة المقاتلة العسكرية. المأساة برمتها كانت نتاج سلسلة من الأخطاء البشرية القاتلة التي تكشفت في أقل من عشر ثوانٍ.
في قمرة قيادة المقاتلة F-86F، كان الرقيب المتدرب يوشيمي إيتشيكاوا (22 عامًا)، الذي لم يتجاوز رصيده 21 ساعة طيران، يتبع تعليمات مدربه الخبير، النقيب تاموتسو كوما. لكن المدرب، وبشكل غير مفهوم، قاد طالبه مرتين إلى خارج منطقة التدريب المخصصة، ودخل مباشرة في ممر جوي تجاري مزدحم.
على الجانب الآخر، في قمرة قيادة البوينغ 727، كان الطاقم بقيادة الكابتن المخضرم سابورو كاوانيشي، صاحب الـ 8000 ساعة طيران. رصد طاقمه المقاتلتين قبل 7 ثوانٍ من الاصطدام. لكن لسبب ما، ربما بسبب الثقة المفرطة أو سوء تقدير للموقف، لم يقم بأي مناورة لتفادي الخطر الوشيك. لقد استهانوا بالخطر، وهو قرار كلفهم حياتهم وحياة كل من على متن الطائرة.
ثانيتان حاسمتان وانهيار كارثي
عندما أدرك المدرب “كوما” الخطر، صرخ في اللاسلكي آمرًا كلاً من المتدرب وطائرة الركاب بالانعطاف يسارًا. لكن الأوان كان قد فات. بعد ثانيتين فقط، في الساعة 14:02، ارتطم الجناح الأيمن للمقاتلة بالموازن الأفقي الأيسر لطائرة البوينغ.
تمزق جناح المقاتلة على الفور، لكن المتدرب “إيتشيكاوا” نجا بأعجوبة بعد أن قفز بمقعده القاذف وهبط سالمًا بالمظلة. أما طائرة الركاب، فقد فقدت السيطرة تمامًا. هوت الطائرة بشكل مرعب، واخترقت حاجز الصوت أثناء سقوطها، لتبدأ بالتفكك في الجو بفعل القوى الهائلة قبل أن يرتطم حطامها ببلدة “شيزوكويشي”، مخلفةً وراءها 162 قتيلاً ولا ناجين.
وجهة نظر تحليلية: ما وراء الخطأ الفردي
تُعتبر كارثة شيزوكويشي مثالاً صارخًا على أن خبرة الطيار وحده لا تكفي لمنع الكوارث. لقد فشل النظام بأكمله في ذلك اليوم. فالاعتماد على مبدأ “الرؤية والتجنب” (See and Avoid) في أجواء مزدحمة وبسرعات عالية أثبت فشله الذريع. كما أن المقاتلات العسكرية لم تكن مزودة بأجهزة رادار للكشف عن حركة الطيران المدني، ولم تكن هناك أنظمة تحذير من الاصطدام (TCAS) التي أصبحت قياسية اليوم.
إن إدانة المدرب وحده تبدو تبسيطًا للمشكلة. الحقيقة هي أن غياب الرقابة الأرضية الفعالة، وعدم وجود حواجز تقنية تمنع مثل هذا التداخل بين الطيران العسكري والمدني، كانا السبب الجذري الذي سمح لخطأ فردي بالتحول إلى مأساة وطنية.
الدروس المستفادة من تحت الحطام
لم تذهب أرواح ضحايا كارثة شيزوكويشي سدى. دفعت هذه المأساة اليابان إلى إجراء إصلاحات جذرية في نظام السلامة الجوية:
- توسيع التغطية الرادارية: تم تحديث أنظمة الرادار لتشمل جميع أنحاء البلاد ومراقبة جميع الرحلات بشكل أفضل.
- فصل المجال الجوي: وُضعت قواعد صارمة تفصل بشكل واضح بين مناطق التدريب العسكري والممرات الجوية التجارية.
- تحسين التدريب: تم تعديل برامج تدريب الطيارين لتشمل سيناريوهات التعامل مع الأجواء المزدحمة والتأكيد على أهمية الوعي بالموقف.
- استقالات ومساءلة: أدت الكارثة إلى استقالة مدير وكالة الدفاع اليابانية ورئيس أركان قوات الدفاع الجوي، في تحمل للمسؤولية السياسية.
في النهاية، تظل هذه الحادثة تذكيرًا مؤلمًا بأن السلامة في الجو هي مسؤولية مشتركة، وأن الاعتماد على العنصر البشري وحده، مهما بلغت خبرته، هو رهان خاسر.
الأسئلة الشائعة:
1. ما هو السبب الرئيسي في كارثة شيزوكويشي الجوية؟
السبب الرئيسي كان خطأ بشريًا من قبل مدرب الطيران العسكري الذي دخل بطائرته التدريبية عن غير قصد في ممر جوي تجاري.
2. كم عدد ضحايا حادثة رحلة نيبون 58؟
لقي جميع من كانوا على متن طائرة الركاب حتفهم، بإجمالي 162 شخصًا (155 راكبًا و7 من أفراد الطاقم).
3. هل نجا طيار المقاتلة العسكرية؟
نعم، تمكن الطيار المتدرب من القفز من طائرته باستخدام المقعد القاذف قبل تحطمها ونجا من الحادث.
4. ما هي أبرز التغييرات التي حدثت في سلامة الطيران بعد الحادث؟
قامت اليابان بتوسيع نطاق تغطية الرادار، فرضت قيودًا أكثر صرامة على المجال الجوي، وحسّنت طرق تدريب الطيارين لمنع تكرار مثل هذه الكارثة.
5. لماذا لم يتفادَ طاقم طائرة الركاب الاصطدام؟
رغم أنهم رصدوا المقاتلات قبل 7 ثوانٍ، يُعتقد أنهم استهانوا بالخطر أو أساؤوا تقدير سرعة اقترابها، فلم يقوموا بمناورة مراوغة في الوقت المناسب.
