هل تفقدت ملصق “صُنع في…” على حذائك الرياضي الجديد مؤخرًا؟ لسنوات طويلة، كانت الإجابة المتوقعة هي “الصين”. لكن اليوم، هناك احتمال كبير أن تجد اسمًا آخر: “فيتنام”. في تحول هادئ لكنه هائل، انتزعت فيتنام بهدوء تاج صناعة الأحذية الرياضية العالمية من جارتها العملاقة، لترسم بذلك ملامح جديدة لخريطة الإنتاج العالمي.
هذا التحول ليس مجرد تبديل لمراكز الإنتاج، بل هو قصة اقتصادية معقدة تعكس تغيرات جذرية في سلاسل التوريد العالمية، وتكاليف الإنتاج، والتوترات التجارية التي أجبرت عمالقة مثل Nike و Adidas على إعادة حساباتهم بالكامل.
من الصين إلى فيتنام: كيف تغيرت خريطة إنتاج أحذيتك المفضلة؟
لعقود، كانت الصين هي “مصنع العالم” بلا منازع. من الهواتف الذكية إلى الألعاب، كانت بصمتها الإنتاجية واضحة في كل مكان. وشمل ذلك صناعة الأحذية الرياضية، حيث كانت المصانع الصينية الضخمة تنتج ملايين الأحذية سنويًا. لكن المعادلة بدأت تتغير.
التحول لم يحدث بين عشية وضحاها، بل كان نتيجة تراكم عدة عوامل وصلت إلى نقطة تحول. أولًا، ارتفعت تكاليف العمالة والتشغيل في الصين بشكل مطرد مع نمو اقتصادها. ثانيًا، بدأت العلامات التجارية الكبرى تدرك مخاطر الاعتماد على دولة واحدة في سلسلة توريدها، وهو ما يعرف استراتيجيًا بضرورة التنويع.
علاوة على ذلك، جاءت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لتكون بمثابة الشرارة التي سرعت من وتيرة هذا التحول. عندما فُرضت تعريفات جمركية باهظة على السلع الصينية، وجدت شركات مثل Nike نفسها في مواجهة تكاليف إضافية تُقدر بمليار دولار سنويًا. بالتالي، أصبح البحث عن بديل جذاب أمرًا لا مفر منه، وكانت فيتنام هي الخيار الأمثل.
إحصائية هامة: في عام 2023، تم إنتاج ما يقرب من 51% من أحذية Nike في فيتنام، بينما انخفضت نسبة الإنتاج في الصين إلى حوالي 20% فقط.
الرحلة التاريخية لخطوط الإنتاج
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها صناعة الأحذية الرياضية هجرة كبرى.
- السبعينيات: كانت كوريا الجنوبية وتايوان هما مركزا الإنتاج، حيث قدمتا عمالة رخيصة وقدرة على الإنتاج السريع لعلامات تجارية ناشئة آنذاك مثل Nike.
- الثمانينيات والتسعينيات: مع انفتاح الصين الاقتصادي، انتقلت المصانع الكورية والتايوانية إلى هناك، مستفيدة من سوق عمل ضخم وتكاليف أقل بكثير. ونتيجة لذلك، أصبحت الصين القوة المهيمنة لعقود.
- الألفية الجديدة: بدأت فيتنام بهدوء في إصلاح اقتصادها وفتح أبوابها للاستثمار الأجنبي. بفضل موقعها الجغرافي القريب من الصين، وتكاليفها التنافسية، وقوة عاملة شابة، تحولت تدريجيًا إلى وجهة جاذبة.
يقول توني لي، وهو مسؤول تنفيذي أمريكي انتقل إلى فيتنام مع شركة Brooks في 2019: “كان الأمر أشبه بانفتاح الصين من جديد… هذا هو الآن انفتاح فيتنام”.
ليس مجرد خفض تكاليف، بل استراتيجية ذكية
من السهل النظر إلى هذا التحول على أنه مجرد سعي وراء العمالة الأرخص، لكن الحقيقة أعمق من ذلك. ما نشهده هو تطبيق واسع النطاق لاستراتيجية “الصين + 1”. لقد تعلمت الشركات العالمية درسًا قاسيًا خلال جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية: الاعتماد على مركز إنتاج واحد هو مخاطرة كارثية.

لذلك، فإن الانتقال إلى فيتنام ليس تخليًا كاملًا عن الصين، بل هو تنويع مدروس للمخاطر. لا تزال الصين تحتفظ بميزتين حاسمتين:
- سيطرتها على المواد الخام: الكثير من الأقمشة والمطاط والمكونات الأخرى المستخدمة في فيتنام لا تزال تأتي من الصين.
- سوقها المحلي الضخم: الأحذية التي تُصنع في الصين اليوم موجهة بشكل متزايد لتلبية الطلب الهائل داخل السوق الصيني نفسه.
في المقابل، أثبتت فيتنام أنها ليست مجرد بديل رخيص، بل شريك تصنيع موثوق وقادر على إنتاج سلع عالية الجودة تلبي معايير العلامات التجارية الكبرى.
ما الخطوة التالية في عالم الإنتاج؟
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في التطور. لن تتوقف صناعة الأحذية الرياضية عند فيتنام، بل ستواصل الشركات استكشاف وجهات جديدة مثل إندونيسيا والهند وحتى دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، سعيًا وراء المزيد من التنويع والمرونة.
ما تأثير ذلك عليك كقارئ؟
- استقرار الأسعار: على المدى الطويل، يساعد تنويع الإنتاج في حماية المستهلكين من الارتفاعات المفاجئة في الأسعار الناتجة عن مشاكل في دولة واحدة.
- وعي أكبر بسلاسل التوريد: أصبحت قصة حذائك أكثر تعقيدًا وإثارة للاهتمام، فهي تعكس الآن ديناميكيات الاقتصاد العالمي.
- تغير اقتصادي عالمي: أنت تشهد بشكل مباشر كيف يمكن للقرارات الاقتصادية والسياسية التي تُتخذ على بعد آلاف الأميال أن تغير مكان صنع المنتجات التي تستخدمها يوميًا.
في المرة القادمة التي تشتري فيها حذاءً رياضيًا، ألقِ نظرة على الملصق. فالقصة التي يرويها أكبر بكثير مما تتخيل.
المصدر:
- New York Times
الأسئلة الشائعة حول صناعة الأحذية الرياضية
1. لماذا انتقلت صناعة الأحذية الرياضية من الصين؟
بشكل أساسي بسبب ارتفاع تكاليف العمالة والتشغيل، بالإضافة إلى الرغبة في تنويع سلاسل التوريد وتقليل المخاطر الناجمة عن التوترات التجارية والتعريفات الجمركية.
2. ما هي الدولة التي تنتج معظم أحذية نايكي وأديداس الآن؟
فيتنام هي حاليًا أكبر منتج للأحذية الرياضية للعلامات التجارية الكبرى مثل Nike و Adidas، متجاوزة الصين في حجم الصادرات العالمية.
3. هل ما زالت الصين مهمة في إنتاج الأحذية؟
نعم، لا تزال الصين تلعب دورًا حيويًا. فهي تسيطر على جزء كبير من المواد الخام، كما أن مصانعها تلبي بشكل أساسي الطلب الهائل في سوقها المحلي الضخم.