سورية الجديدة على أبواب تحول حاسم
لم يعد السوريون يتطلعون إلى الماضي ولا إلى سنوات الأزمة الطويلة التي أنهكتهم، بل ينظرون إلى حاضر مختلف تشكّل في ظل قيادة جديدة يقودها الرئيس أحمد الشرع. إنها مرحلة “سوريا الجديدة” حيث تبدو الدولة مقبلة على تحولات أمنية وسياسية واقتصادية، ستنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين.
الأحاديث عن “مفاجآت الشهر المقبل” لم تعد مجرّد تكهنات، بل خطوات عملية ستعيد رسم صورة البلاد: من ملفات التهدئة العسكرية والدبلوماسية، إلى إعادة تقييم العملة، وصولاً إلى معالجة أزمة الغذاء والتحول السياسي.
أولًا: المشهد الدبلوماسي والأمني – العودة لاتفاق 1974
من أبرز القضايا المطروحة اليوم احتمال العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وهو الاتفاق الذي أرسى حدودًا واضحة بين سوريا وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة. الجديد الآن هو أن أمريكا وروسيا قد تتدخلان مباشرة كضامنين، ما يمنح الاتفاق قوة إلزامية حقيقية.
إذا تحقق ذلك، ستدخل سوريا مرحلة استقرار أمني طال انتظاره. فوقف التوترات على الحدود يعني فتح المجال أمام الاستثمارات، عودة الثقة في الداخل، وإغلاق الباب أمام أي ذريعة لخرق السيادة السورية. إنها ليست “معاهدة سلام”، بل ببساطة عودة إلى حالة منضبطة ومستقرة قد تعيد الطمأنينة للناس وتنعكس على الداخل بشكل إيجابي.
الرئيس الشرع في لقائه مع ولي العهد السعودي وصف التوترات بأنها يجب أن تُستبدل بـ”السلام والاستقرار الاقتصادي“، مؤكدًا أن الدعم الإقليمي بات متاحًا لتحقيق هذه الخطوات.
ثانيًا: الإصلاحات الاقتصادية – الليرة بين الأمل والواقع
من أكثر النقاط إثارة للجدل إعلان نية سوريا إعادة تقييم عملتها المحلية عبر حذف صفرين من الليرة السورية، في خطوة وُصفت بأنها محاولة “لإعادة الثقة” بعد انهيار تاريخي لقيمة العملة.
بحسب تقرير رويترز (22 أغسطس 2025)، سيبدأ التداول بالعملة الجديدة في ديسمبر، مع فترة انتقالية مدتها عام. الهدف المعلن هو:
- كبح التضخم النفسي.
- تسهيل التعاملات المالية.
- استعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
لكن هنا تظهر التحديات. الخبير الاقتصادي كرم شعّار علّق عبر منصة X قائلاً: “إعادة التقييم خطوة تقنية مهمة، لكنها ليست علاجًا للأسباب الهيكلية. ربما كان إصدار فئات نقدية أعلى أقل تكلفة وأكثر فعالية.”
من الناحية الإيجابية، فاينانشال تايمز ذكرت أن سوريا تستعد للعودة إلى نظام SWIFT المالي العالمي، ما يفتح الباب أمام التحويلات الدولية بعد 14 عامًا من العزلة. هذه الخطوة قد تجذب استثمارات خارجية، خصوصًا إذا رافقها رفع جزئي للعقوبات.
لكن في المقابل، إذا لم تُدعَم هذه الخطوات بإصلاحات إنتاجية (زراعة، صناعة، طاقة)، فسيظل أثرها محدودًا. حذف الأصفار قد يعطي تفاؤلًا نفسيًا، لكنه لن يوقف التضخم إذا بقي الاقتصاد هشًا.
ثالثًا: أزمة الغذاء – التحدي الأكبر الذي لا يحتمل التأجيل
قد يكون الاقتصاد بحاجة إلى إصلاح، لكن الأزمة الإنسانية أخطر بكثير. وفق بيانات برنامج الغذاء العالمي (2025)، يعيش أكثر من 14.5 مليون سوري في انعدام أمن غذائي، بينهم 9 ملايين في أزمة حادة.
أسباب هذه الكارثة متعددة:
- جفاف غير مسبوق خفّض إنتاج القمح بنسبة 40%.
- انهيار شبكات الري.
- ضعف الدعم الحكومي وتراجع المخزون الاستراتيجي.
تقرير ويكيبيديا للأزمات الإنسانية صنّف الوضع في سوريا هذا العام كـ “أسوأ أزمة جوع في تاريخها الحديث”.
من هنا، الحلول السريعة تكمن في تسريع وصول المساعدات الإنسانية من دول الخليج وتركيا ودول أخرى قادرة على دعم الأمن الغذائي. لكن الحل الجذري يبدأ من الداخل، عبر إصلاح الزراعة وإعادة بناء البنية التحتية الزراعية.
والأهم من ذلك، هناك مسؤولية تقع على المواطن نفسه:
- الوعي في الاستهلاك.
- ترشيد الموارد.
- دعم أي مبادرة تعاونية محلية.
فالدولة مهما خططت، لن تستطيع النجاح دون وعي شعبي يواكب هذه المرحلة الجديدة.
رابعًا: التحول السياسي – التعددية كخطوة أولى
من أبرز التطورات في 2025 كان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري (فبراير)، الذي انتهى بتشكيل حكومة انتقالية تضم تقنيين وشخصيات من مختلف الطوائف. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا من السعودية وقطر وتركيا، كما دعمتها الأمم المتحدة.
فاينانشال تايمز نقلت أن هذه الحكومة قد تكون بوابة “شرعية جديدة” تتيح استقطاب الدعم الدولي، وتهيئة الأرضية لانتخابات برلمانية أكثر تمثيلًا.
لكن، وكما هو الحال في الاقتصاد، الطريق طويل. لا تزال هناك تحديات مرتبطة بالولاءات الداخلية والانقسامات، إضافة إلى بقاء نفوذ بعض القوى المسلحة.
في عهد الرئيس أحمد الشرع، هناك إدراك أن التنوع السياسي ضرورة وليس رفاهية. حتى لو سيطر التيار الحاكم على جزء كبير من البرلمان، فإن فتح الباب أمام قوى جديدة ولو تدريجيًا يعطي رسالة واضحة: سوريا بدأت تتحرك نحو التغيير.
خامسًا: التوازنات الخارجية – بين الدعم والضغط
السياسة الخارجية السورية في 2025 تبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى:
- تحسّن واضح في العلاقات مع السعودية وقطر.
- دفء في العلاقات مع تركيا بعد سنوات من التوتر.
- وعود بدعم مالي من البنك الدولي وصندوق النقد بشروط إصلاحية.
- لكن في المقابل، هناك ضغوط أمريكية مستمرة مرتبطة بملفات الإرهاب والأسلحة الكيميائية.
إيران وروسيا، الداعمان الأبرز في سنوات الحرب، قد لا ينظران بعين الرضا إلى انفتاح دمشق على الغرب. وهنا ستحتاج القيادة السورية إلى توازن دقيق بين حلفاء الماضي وممولي المستقبل.
خاتمة: تفاؤل واقعي لا وعود فارغة
مرحلة سوريا الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع لا تُقاس بالخطابات، بل بالنتائج الملموسة. الطريق مليء بالتحديات:
- دبلوماسيًا وأمنيًا: العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 قد يفتح باب الاستقرار.
- اقتصاديًا: إعادة تقييم الليرة بداية نفسية مهمة، لكنها تحتاج إنتاجًا وإصلاحًا حقيقيًا.
- إنسانيًا: الغذاء هو الأولوية، وعلى الشعب كما الدولة أن يتحمل المسؤولية.
- سياسيًا: التعددية الناشئة بداية مشجعة.
- خارجيًا: التوازن بين الدعم والضغط مفتاح المرحلة المقبلة.
إنها ليست معجزة بين ليلة وضحاها، لكنها بداية تفاؤل واقعي، يفتح أمام السوريين بابًا مختلفًا لمستقبل طال انتظاره.
المصدر:
- تحليل ميتالسي
- رويترز
- فاينانشال تايمز
- AP