في 10 سبتمبر 2025 خرجت تظاهرات واسعة تحت شعار «لنُعطل كل شيء»، صُمّمت لتعطيل البُنى الأساسية لساعات: إغلاق طرق، حواجز، إشعال نيران في صناديق القمامة، ومحاولات لإغلاق مرافق النقل. ورغم الانتشار الأمني الضخم (نحو 80 ألف شرطي) والاعتقالات المبكرة، احتفظت الحركة بزخمها كقناة غضب اجتماعي عميق على خلفية موازنة تقشّفية وانهيار حكومي متعاقب.
La répression.
La police matraque très violemment les manifestants réunis près de la Gare du Nord, à Paris.#10septembre2025 #manifestation #onbloquetout #10septembre pic.twitter.com/aWYRQH5ha8
— Cédric Canton (@cedriccanton_) September 10, 2025
جذور الحركة وأفكارها
- منصّات مفتوحة وغضب مُتراكم: ظهرت دعوات «لنُعطل كل شيء» خلال الصيف عبر مجموعات مفتوحة ومشفّرة، بلا قيادة مركزية، وبخطاب يتقاطع مع إرث السترات الصفراء: رفض الغلاء، ونقد سوء تمثيل النخبة السياسية، والخشية من تفكيك الخدمات العامة.
- منطلقات مطلبية واضحة: تَركّز الغضب على حزمة تقشّف تضمّنت خفضًا كبيرًا للإنفاق (قرابة 44 مليار يورو)، وإلغاء يومين عطلة، مع مخاوف من مساسٍ بالصحة والتعليم والنقل. هذه البنود صارت رمزًا لصراع أوسع حول توزيع الأعباء والعدالة الضريبية.
- خريطة اجتماعية وسياسية مُعقّدة: تُظهر التغطيات أنّ الحركة لا مركزية، وأن شرائح يسارية—وخاصة الشابة—تتصدر مشهدها ميدانيًا؛ فيما يرى بعض المسؤولين والباحثين أنّ بذورها الأولى نمَت في دوائر يمينية على الشبكات قبل أن تنتقل إلى طيفٍ يساري أوسع. هذا التنازع على السردية يعكس صراع الشرعية على الشارع.

لماذا الآن؟ السياسة على صفيح الاقتصاد
- انهيار حكومي متكرر: خسر رئيس الوزراء فرانسوا بايرو تصويت الثقة يوم الإثنين (8 سبتمبر)، واستقالت حكومته، فعَيّن الرئيس إيمانويل ماكرون وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء في اليوم التالي. المشهد كلّه وقع عشية يوم الاحتجاجات الموعود، ما جعل يوم 10 سبتمبر اختبارًا بالنار للحكومة الجديدة.
- تبدّل سريع في رئاسة الحكومة: تعيين لوكورنو يجعلُه الخامس خلال عامين في عهد ماكرون—إشارة إلى هشاشة معادلة الحكم داخل برلمانٍ مُتشظّي بين كُتل متصارعة، وصعوبة تمرير موازنة تقشّفية بلا توافقات عريضة.
تكتيكات التعطيل على الأرض
- أدوات الضغط: إغلاق محاور ودوّارات، حواجز نفايات مُشتعلة، محاولات إقفال مداخل محطات رئيسية (مثل غار دو نور)، وإشعال حافلة في مدينة رين؛ مع تأثيرات على بعض خطوط القطارات جرّاء أضرار في كوابل كهربائية. هذه التحرّكات تسعى لرفع كلفة التقشّف سياسيًا وإعلاميًا.
- محصّلة اليوم الأول: بحلول الظهيرة سُجّلت قرابة 295 حالة توقيف، لكن فرنسا لم تُغلَق بالكامل: قوات الأمن فكّكت حواجز عديدة بسرعة، وظلّ التعطيل بُقعيًا ومتفاوتًا بين المدن.
ردّ الفعل الحكومي — أقصى درجات الصرامة
- انتشار أمني استباقي: نشرت الداخلية نحو 80 ألف شرطي، مع تعليمات بأقصى درجات الصرامة تجاه الحواجز والتخريب، وتحذيرات من تسلّل مجموعات يسارية متشددة إلى الحراك. ميدانيًا، اعتمدت الشرطة الغاز المُسيّل للدموع والتوقيفات السريعة وفكّ الحواجز.
- إدارة المخاطر مقابل شرعية الاحتجاج: تحاول الحكومة رسم خطّ فاصل بين حق التظاهر وبين تعطيل المرافق الحيوية. غير أنّ المبالغة في القبضة الأمنية تُغذّي، في المقابل، سردية الحركة حول اختلال ميزان الكلفة الاجتماعية. هذا التوازن الدقيق سيحسمه الأداء الاقتصادي—لا الأمني—في الأسابيع المقبلة.
إلى أين تتجه الأمور؟
- ما بعد 10 سبتمبر: تقديرات أجهزة الاستخبارات الفرنسية سبقت إلى ترجيح احتجاجات كبيرة بلا موجة كاسحة؛ أي زخم ملحوظ لكن دون شللٍ شامل—وهو ما بدا متطابقًا مع نتيجة اليوم الأول. كما دعت نقاباتٌ إلى تحركات لاحقة (مثل 18 سبتمبر) ما يرجّح نزيف استنزاف أكثر منه انفجارًا واحدًا.
- المعادلة الحاسمة: إذا مضت الحكومة في تقليصات حادّة من دون تعويض اجتماعي واضح (حماية للقدرة الشرائية، تمويل للخدمات، أو صفقة ضريبية أكثر عدالة)، فستكتسب الحركة عُمرًا أطول وتتسع قاعدة التعاطف معها، حتى لو ظلّت بلا قيادة موحّدة. أمّا إذا نجحت السلطة في مقايضة ذكية: إعادة صوغ الموازنة عبر خطوات رمزية (التراجع عن العطلتين، حماية الصحة والتعليم) وإشراك نقابي أوسع، فقد يُعاد ضبط الإيقاع المجتمعي مؤقتًا. هذا، بطبيعة الحال، مرهون بإدارة برلمانية معقّدة وبقدرة لوكورنو على بناء تسويات صغيرة متراكمة.
خلاصة تحليلية
حركة «لنُعطل كل شيء» ليست نسخة طبق الأصل من السترات الصفراء، لكنها قناة احتجاجية مرنة تتغذّى من تآكل الثقة وتعب الضرائب وقضم دولة الرفاه. قوّتها في بساطة الهدف التكتيكي (رفع كلفة التقشّف) وانتشارها الشبكي، وضعفها في غياب قيادة وبرنامج انتقالي. وبين حكومة الأقلية واقتصادٍ يحتاج ضبط عجزه، ستبقى شرعية أي مسار تقشّفي رهنًا بـ عدالة توزيع الأعباء على نحوٍ يُقنع الأغلبية الصامتة بأن التضحية ليست حكرًا على من هم أدنى دخلًا.
