عاد اسم الموسيقار السوري مالك جندلي ليتصدر الحديث بعد إعلانه جولة موسيقية داخل سوريا، في خطوة بدت أقرب إلى مصالحة بين الفنان ومدينة ظلّت تسكنه رغم المسافات.
جندلي، الذي عاش سنوات طويلة بين نيويورك وأوروبا، اختار أن يعود عبر الموسيقى؛ تلك اللغة التي لم تتبدّل رغم تبدّل المدن. العودة كانت رسالة بحدّ ذاتها: “أعود ومعي موسيقى كبرت في المنفى”، كتب على حسابه، لتبدأ موجة واسعة من التعليقات بين مرحّب، ومندهش، ومتابع يريد أن يعرف أكثر.
في ذكرى التحرير الأولى، أعود.
أعود إلى وطني ومعي موسيقى كبرت في المنفى، وذاكرة لم تغادر المكان.أعود لا لأقيم حفلًا، بل لأضع نغمة في قلب مدينة، وصوتًا في حضن بلدٍ حملتُه في روحي، رغم كل المسافات.أعود لألتقي بسوريا.. لا كما تركناها، بل كما حلمنا بها، وكما تستحق أن تكون..
من ساحة… pic.twitter.com/M1mua2QiCX
إعلان— Malek Jandali | مالك جندلي (@MalekJandali) November 30, 2025
سيمفونية تعود إلى أرضها الأولى
أعلن مالك جندلي أن جولته الجديدة، التي تحمل عنوان “سيمفونية سورية من أجل السلام”، ستبدأ من مدينة حمص، وتحديدًا من ساحة الساعة؛ المكان الذي عاش جزءًا من مسار الحرب، وشهد لحظات مؤلمة كانت محور اهتمام السوريين لسنوات.
الجولة ستختتم في دار الأوبرا بدمشق، بمشاركة الفرقة السيمفونية الوطنية، والكورال السوري، ومايسترو أميركي، في عرض يجمع الأصوات التي تفارق الوطن بمن سكنوه طوال السنوات الماضية.
لماذا حمص أولًا؟
بحسب متابعين، تبدو هذه الخطوة لافتة لأكثر من سبب:
- حمص هي المدينة التي تنحدر منها عائلة جندلي، وفيها ارتبطت بعض تفاصيل طفولته.
- الساحة التي يفتتح منها الجولة تحولت خلال السنوات الماضية إلى رمز للتغيّر، للألم والكرامة معًا.
- الفن هنا يبدو محاولة لخلق معنى جديد للمكان، إعادة تقديمه بما يتجاوز ذاكرة الحرب.
جولات مجانية.. ورسالة بالفن لا بالبطاقات
اللافت أيضًا أن جميع الحفلات مفتوحة ومجانية.
برر جندلي هذه الخطوة بقوله: “هذه الموسيقى ليست ملكي.. بل ملك الناس”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الفن بهذا المفهوم؛ فمنذ تأسيسه منظمة “بيانو من أجل السلام”، قدّم عشرات الحفلات في مناطق نزاع حول العالم، محاولًا تحويل الموسيقى إلى جسر بين الشعوب بدلًا من مجرد عرض فني.
بين السياسة والفن: صدى العودة في الشارع السوري
ردود الفعل على مواقع التواصل السورية جاءت متباينة، لكنها اتفقت على نقطة واحدة: خطوة غير عادية.
أصوات رحّبت بالعودة، معتبرة أنها تحمل بُعدًا إنسانيًا يعلو فوق السياسة، وأن الفن قد يكون مساحة أخيرة للقاء السوريين بعد سنوات الانقسام.
وفي المقابل، أصوات أخرى طرحت تساؤلات حول توقيت العودة، والدلالات التي قد تُقرأ من خطوة كهذه، خصوصًا أن جندلي كان من الأصوات المنتقدة سابقًا للنظام.
لكنّ ما اتفق عليه المتابعون هو أن الموسيقى قادرة على فتح مساحات لا تستطيع السياسة الوصول إليها.
بعيدًا عن الانطباعات السريعة، يمكن النظر إلى هذه العودة ضمن ثلاث زوايا:
1. ذاكرة المنفى تنضج مع الزمن
الفنان الذي يبتعد عن بلاده يحمل دائمًا شعورًا بالانقطاع، ومع مرور السنوات يتحول هذا الانقطاع إلى حاجة لإعادة النظر، وربما لاستعادة السياق الذي تشكلت فيه رؤيته الفنية.
2. تحوّل في المزاج الثقافي داخل سوريا
عودة فنان عالمي من أبناء البلد قد تكون جزءًا من حراك ثقافي أوسع، تحاول فيه المدن السورية استعادة دورها الفني تدريجيًا بعد سنوات من الانكفاء.
3. لحظة رمزية للبحث عن معنى جديد
سواء اتفق المتابعون أو اختلفوا، تبقى عودة جندلي حدثًا رمزيًا، لأن الفن هنا لا يأتي بوصفه ترفًا، بل محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين المكان وأهله.
