في اللحظة التي كانت فيها صناعة الطيران العسكري العالمية تعيد تقييم دور المسيرات، ظهرت قزل إلما كاختبار حقيقي لحدود ما يمكن لطائرة بدون طيار أن تفعله. إذ لم يعد الحديث يدور حول الاستطلاع أو الدعم الأرضي، بل عن دخول مباشر إلى قلب المعركة الجوية نفسها — مجال احتكرته الطائرات المأهولة لعقود طويلة.
خلال اختبار فوق سواحل سينوب على البحر الأسود، سجّلت المسيرة التركية قزل إلما حدثًا غير مسبوق، بعدما نجحت في تتبع هدف نفاث يعمل بمحرك Jet، ثم الاشتباك معه باستخدام صاروخ جو–جو محلي الصنع، لتفتح بذلك مرحلة جديدة بالكامل في عالم الطيران القتالي.
ولعل أهم ما يميز هذا الاختبار أنه لم يكن مجرد استعراض تقني، بل حلقة اشتباك كاملة، تضم رادارًا محليًا، وصاروخًا محليًا، وطائرة مسيرة نفاثة — وهو ما يعكس نضجًا صناعيًا كبيرًا داخل تركيا.
اعتمدت العملية على ثلاث تقنيات رئيسية، جميعها تركية المنشأ:
1. رصد الهدف عبر رادار MURAD AESA
الرادار الذي طورته شركة “أسلسان” قادر على الكشف خارج مدى الرؤية (BVR) مع مقاومة عالية للتشويش. هذه القدرة تجعل المسيرة تقفز إلى مستوى قريب من مقاتلات الجيل 4.5.
2. إطلاق صاروخ Gökdoğan
الصاروخ الذي طوره “توبيتاك ساغه” صُمم في الأصل ليكون سلاحًا لمقاتلات F-16، لكنه في هذا الاختبار أُطلق من مسيرة غير مأهولة — وهي النقطة التي اعتبرها الخبراء “انعطافة تاريخية”.
3. منظومة كاملة تركية 100%
منصّة الإطلاق، الذكاء الاصطناعي، الرادار، الصاروخ… كلها محلية. وهو أمر نادر عالميًا، تمتلكه دول محدودة فقط.
شارك في تأمين المجال الجوي خمس طائرات F-16، فيما حضر قادة القوات الجوية وكبار المديرين في “بايكار” و”أسلسان” هذا الاختبار الذي وصفته الصحافة التركية بأنه “لحظة ميلاد المقاتلة بدون طيار”.
ماأهمية هذا الحدث عالميًا؟
لأن قزل إلما أصبحت — وفق المعايير الفنية — أول مسيرة نفاثة تُظهر قدرة اشتباك جو–جو كاملة ضد هدف يعمل بمحرك نفاث. وفي العادة، كانت المسيرات تُستخدم في:
- الاستطلاع
- الدعم الأرضي
- ضرب أهداف ثابتة
- هجمات دقيقة بطيئة
لكن الاشتباك الجوي يتطلب:
- رادارًا متقدمًا
- معالجة بيانات لحظية
- سرعة عالية
- خفة مناورة
- بصمة رادارية منخفضة
- وتوافقًا كاملًا بين الطائرة والسلاح
وهذا بالضبط ما تمكنت منه قزل إلما، في تجربة تعتبر — بحسب خبراء دوليين — “نقطة لا رجعة عنها” في عالم القتال الجوي.
الأرقام التي تعكس حجم التطور التركي
- سرعة قزل إلما: تصل إلى 0.9 ماخ
- قدرة التحليق: أكثر من 35,000 قدم
- مدى العمليات: فوق 1000 كم
- البصمة الرادارية: منخفضة بفضل التصميم الشبحّي
- قدرة حمل الأسلحة: حتى 1500 كغ
أما الصاروخ Gökdoğan:
- مداه القتالي: يتجاوز 65 كم
- نظام التوجيه: رادار نشط + وصلة بيانات
- السرعة: فوق 4 ماخ
هذه المنظومة تجعل تركيا أول دولة في المنطقة تمزج بين الذكاء الاصطناعي والطيران النفاث والصواريخ الجو–جو في منصة واحدة.
ماأهمية هذا الإنجاز لتركيا؟
أولًا، لأن تركيا تعمل على استقلالية صناعية منذ سنوات، وهذا الاختبار دليل على أن أنقرة باتت تملك سلسلة إنتاج متكاملة للطيران القتالي.
ثانيًا، لأن قزل إلما تشكل العمود الفقري لمفهوم “القتال المأهول–غير المأهول” الذي تعتمده تركيا مستقبلًا، حيث تعمل المسيرات مع المقاتلات الشبحية المحلية (TF-Kaan) في تشكيلات هجومية ودفاعية مشتركة.
ثالثًا، لأن هذا الإنجاز يضع تركيا أمام فرص تصدير ضخمة، خصوصًا في الأسواق التي تبحث عن بدائل لأنظمة أمريكية وأوروبية باهظة الثمن.
وأخيرًا، لأن هذا التطور يغيّر موازين القوى الجوية إقليميًا، ويخلق حالة جديدة من التنافس في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز.
إلى أين تتجه قزل إلما؟
من الواضح أن ما جرى ليس سوى بداية سلسلة من الاختبارات. ووفق مصادر الدفاع التركية، هناك مراحل قادمة تشمل:
- اشتباك حي بصاروخ فعلي
- دمج قزل إلما مع TF-Kaan في مهام مشتركة
- تطوير نسخة أسرع من الصوت
- رفع مستوى الذكاء الاصطناعي لتقليل تدخل المشغل البشري
وإذا نجحت هذه المراحل، فإن تركيا ستكون أمام جيل جديد من الطائرات القتالية غير المأهولة، ليس مجرد طائرة مسيرة، بل “مقاتلة بدون طيار”.
وهذا قد يجعلها لاعبًا أساسيًا في سوق السلاح العالمي خلال العقد القادم.
المصدر:
Baykar – Aselsan – AA – TurDef – Defence Security Asia